خيرا لينطلق لساني بشكركم، وأنكم ما لم تفعلوا فلساني مشدود لا أقدر على مدحكم، لأن اللسان لا يشد بنسعة، ومنهم من قال: إنهم شدوه بنسعة حقيقة، بأنهم ربطوه بنسعة مخافة أن يهجوهم وكانوا سمعوه ينشد شعرا، فقال: أطلقوا لي عن لساني أذم أصحابي وأنوح على نفسي، فقالوا: إنك شاعر، ونحذر أن تهجونا، فعاهدهم على أن لا يهجوهم، فأطلقوا له عن لسانه. "قال الجاحظ: وبلغ خوفهم من الهجاء أن يبقى ذكرهم في الأعقاب، ويسبّ به الأحياء والأموات، أنهم إذا أسروا الشاعر أخذوا عليه المواثيق، وربما شدّوا لسانه بنسعة كما صنعوا بعبد يغوث"1.

وكان "عبد يغوث" شاعرا من شعراء الجاهلية، من أهل بيت شعر معروف في الجاهلية والإسلام، منهم: اللجلاج الحارثي، وهو طفيل بن زيد بن عبد يغوث، وأخوه: مسهر، فارس شاعر، وهو الذي طعن "عامر بن الطفيل" في عينه يوم "فيف الريح"، ومنهم من أدرك الإسلام: "جعفر بن علية بن ربيعة بن الحارث بن عبد يغوث"، وكان شاعرا صعلوكا، أخذ في دم فحبس بالمدينة، ثم قتل صبرا2.

"قال الجاحظ في البيان والتبيين: وليس في الأرض أعجب من طرفة بن العبد، وعبد يغوث، فإن قسنا جودة أشعارهما في وقت إحاطة الموت بهما، فلم تكن دون سائر أشعارهما في حال الأمن والرفاهية"3.

ومن الشعراء المعمرين "ذو الإصبع العدواني"، واسمه "حرثان بن محرث بن الحارث" أو "حرثان بن الحارث بن عمرو بن عبادة بن يشكر" اليشكري العدواني، لقب بذي الإصبع لأن حية نهشته على إصبعه فشلت، فسمي بذلك. زعم أنه عاش مائة وسبعين سنة، واستقل هذا العدد "أبو حاتم"، فجعله ثلاثمائة سنة، وهو عمر لا بأس به! وكان أحد حكام العرب، وله قصة مع بناته الأربع، في موضوع الزواج، وصفات الزوج، ورغبة المرأة في الازدواج، رووا أن "عبد الملك بن مروان" كان يحفظ شعره، وأنه سأل رجلًا من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015