نفسه، فيجعل عقله زمانًا على رأيه، ورأيه عيارًا على شعره"1. يفعلون ذلك ليخرج شعرهم بليغًا بينًا، خالصًا نقيًّا، حتى ينالوا منه ما يريدون من التأثير في السامع، ومن استهواء الناس إليهم "وكانوا إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الأمور ميَّثوا الكلام في صدورهم وقيدوه على أنفسهم، فإذا قومه الثقاف وأُدخل الكير وقام على الخلاص أبرزوه محكمًا منقحًا ومصفًّى من الأدناس مهذبًا"2، وقال: "وكانوا يسمون تللك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات، ليصير قائلها فحلا خنذيذًا وشاعرًا مفلقًا"3.

والحوليات، هي القصائد التي يحول عليها الحول. والمقلدات، البواقي من الشعر على الدهر وقلائده4. والمنقحات، القصائد المنقحة المهذبة المحككة. يقال: خير الشعر الحولي المنقح، وأنقح شعره إذا حككه، وأحسن النظر فيه، وأصلحه وأزال عيوبه5. وقد كان الشاعر يجيل النظر في شعره، ويفكر فيه ويصلح منه، قبل أن يعرضه على الناس، حتى لا يعاب عليه، فيغض من قدره، وتهبط منزلته بين الناس، وتطمع فيه الشعراء. فهؤلاء الشعراء، هم أصحاب فن، لا يهمهم الإخراج الكثير، بل الشعر المحكك المنسق المنقح، ولذلك يمكثون أمدًا يعيدون النظر فيه حتى يعجبهم نظمه، فيذيعونه عندئذ بين الناس.

وقد عرف طفيل الغَنَوِيّ في الجاهلية بالمحبر، وذهب علماء الشعر إلى أنه إنما عرف بذلك لحسن شعره6، وكان مثل زهير والنابغة "في التنقيح وفي التثقيف والتحكيك"7. وقد عرف ربيعة بن سفيان الشاعر الفارس بالمحبر؛ "لتحبيره شعره وتزيينه كأنه حبر"8. والحطيئة، والنَّمر بن ثعلب من هذه الطبقة التي تأنقت في شعرها وثقفته9. وقد عرف النمر بن تولب بالكيس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015