المناسبة إلقاء الخطب، أو في الحث على التعقل والتفكر وتغيير رأي فاسد، كما في خطب قس بن ساعدة الإيادي وفي خطب الأحناف، ثم في المناسبات الأخرى مثل تعداد مناقب ميت، أو خطب الإملاك وما إلى ذلك.
ومن أشهر الخطب المنسوبة إلى الجاهليين، الخطب التي زعم أن "أكثم بن صيفي"، و"حاجب بن زرارة"، وهما من "تميم"، و"الحارث بن ظالم"، و"قيس بن مسعود"، وهما من "بكر"، و"خالد بن جعفر"، و"علقمة بن علاثة"، و"عامر بن الطفيل" من "بني عامر"، قالوها في مجلس كسرى، يوم أرسلهم "النعمان بن المنذر" إليه، ليريه درجة فصاحة العرب ومبلغ بيانهم وعقلهم، مما أثار إعجاب "كسرى" بهم، حتى عجز عن تفضيل أحدهم على الأخر، مما جعله يقر ويعترف بذكاء العرب وبقوة بيانهم وبقوة عقلهم، فقدرهم لذلك حق قدرهم وأكرمهم. وهي خطب مصنوعة موضوعة، قد تكون من وضع جماعة أرادت بها الرد على الشعوبيين الذين كانوا ينتقصون من قدر العرب، ومن لسان العرب، ومن دعوى الإعجاز في لغتهم، فصنعت هذا المجلس، وعملت تلك المحاورة والخطب في الرد عليهم، وهي تتناول صميم ذلك الجدل.
وأكثر ما نسب إلى زيد وأمثاله من الأحناف مختلق، وضع عليهم فيما بعد وأكثر ما ورد عنهم في شرح حياتهم هو من هذا النوع الذي يحتاج إلى إثبات. وقد ذكر أهل الأخبار أسماء نفر من الجاهليين قالوا عنهم: إنهم كانوا من خطباء الجاهلية المشهورين المعروفين، وقد أدخلوا بعضهم في المُعَمرين. والمُعَمَّر في عرفهم من بلغ عشرين ومئة سنة فصاعدًا، وإلا، لم يعدوه من المعرمين1.
وعلى رأس من ذكروا: "دويد بن زيد بن نهد بن ليث بن أسود بن أسلم الحميري"، فهو إذن من حمير. وقد ذكر أنه عاش أربع مئة سنة وستًّا وخمسين سنة، ونسبوا إليه وصية أوصى بها بنيه2. ولكنهم لم يذكروا متى عاش، وفي أي زمان مات، وكيف أوصى بنيه بهذه اللهجة الحجازية، لهجة القرآن الكريم، وهو من حمير، وحمير لها لسانها وكتابتها.