رويت بصورة مختلفة1، وفي هذا الاختلاف دلالة بينة على أنها لم تنقل من أصول مكتوبة، وإنما أخذت من الأفواه، وإلا لما جاز عقلًا وقوعه أبدًا. وسبب ذلك، أن الناس في ذلك الوقت، لم يكونوا قد تعودوا لا في الجاهلية ولا في الإسلام اتخاذ كتّاب لتدوين ما كان يقع لهم من أحداث، ولم يكن عندهم مراسلون يرافقون الملوك والحكّام وسادة القبائل والوفود، لوصف مواكب الملوك ومشاهدهم وحروبهم، وخطبهم ومفاوضاتهم مع سادات القبائل. وكذلك كان الحال في الإسلام، بل ولا رواة لهم ذاكرة قوية، لحفظ أحاديث المجالس والأحداث، وإذاعتها بين الناس؛ لأن العناية بحفظ الأحداث والتواريخ وتخليدها تقتضي وجود وعي بأهمية تدوين التأريخ، ولم يكن هذا الوعي معروفًا آنذاك.

ولهذا جاءت أخبار الحوادث عن طريق شهود عيان رووا ما شاهدوه لأصحابهم، كما يروي أي إنسان ما قد يقع له من أمور لأصدقائه، وهؤلاء قصوا تلك المرويات على أصحابهم وعلى من جاء بعدهم بلغتهم، وبهذه الطريقة وصلت الأخبار إلى المدوّنين عندما بُدئ بالتدوين وليس من المعقول بالطبع محافظة الذاكرة على النصوص الأصلية للخطب وللكلام، ولقول الراوي الأول للأحداث. وليس من المعقول أيضًا وصولها سالمة نقية من كل تغيير أو تبديل أو تحريف، ولا سيما في الأمور العاطفية التي تضرب على أوتار العصبية. ولهذه الأسباب وغيرها فنحن لا نستطيع الاطمئنان إلى صحة هذه الأخبار المروية من الأفواه، لما يحتمل أن يكون قد وقع فيها من زيف أو من تحريف عن عمد أو من غير عمد. ولو كانت الذاكرة تعي كل كلام وتحفظ كل حديث بالحرف والكلمة، لما أجاز العلماء رواية حديث الرسول بالمعنى، إذ كان من الصعب حفظه بالحرف. ولا أظن أن أحدًا يقول: إن حفظ أخبار الجاهلية ونصوص كلام رجالها، أهم عند العرب من حفظ حديث الرسول.

وأنا أشك في صحة أكثر ما نسب إلى "مسيلمة" من كلام وقرآن.

وهو "مسيلمة بن حبيب الحنفي"، المكنى بـ"أبي ثمامة"، والمنعوت بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015