وقام النجار بصنع أواني الطعام أيضًا، ولا سيما الأواني الكبار التي تستعمل في إطعام عدد من الناس في المناسبات، وتدخل بيوت الملوك وسادات القبائل والأغنياء الكرماء في الغالب وفي بعض الظروف والمناسبات، مثل المآتم والأفراح. ومنها "الجفنة"، وهي -كما يقول بعض علماء اللغة- أعظم ما يكون من القصاع، يوضع فيها الطعام؛ ليتناول منه عدد من الناس, وقد افتخر الشاعر "حسان بن ثابت" بـ"الجَفَنَات" دلالة على الكرم والجود1. و"القصعة" وهي تلي الجفنة في السَّعة، يشبع الضخم منها عشرة أشخاص2, ثم "الصحفة" وتجمع على "صحاف", وقد وردت في شعر معزوٍّ للأعشى:
والمكاكيك والصحاف من الفضة ... والضامرات تحت الرجال
وتصنع من الفضة كذلك، كما رأينا في هذا البيت المتقدم، وذكر أنها تشبع خمسة أشخاص3. ويليها في الحجم والسعة "المئكلة"، تشبع الرجلين والثلاثة, ثم الصحيفة، وتشبع الرجل4.
وتصنع بعض هذه الأواني من مواد أخرى كالأدم, أو من المعدن كما قلت في "الصحاف" حيث تصاغ من الذهب والفضة لبيوت الملوك والأمراء والشيوخ والأغنياء.
وقام النجار، ولا سيما من تخصص بالقداحة منهم، بعمل القدح النضار، وهو القدح المعمول من النضار. والنضار خشب معروف في الحجاز في أيام الرسول يكون بغور الحجاز، يعمل منه ما رقَّ واتسع وغلظ من الأقداح؛ وذلك لتحمل هذا الخشب ما لا تتحمله الأنواع الأخرى من الخشب المستخرج من الحجاز. وقد كانوا يدفنون هذا الخشب حتى ينضر، ثم يعمل فيكون أمكن لعامله في ترقيقه, وقد كان عند الرسول قدح نضار عريض. ويعبر أيضا عن الأقداح المنحوتة من الخشب بـ"الخشيب"5.