قوافل الميرة:

وقد يجتمع نفر للذهاب إلى سوق للامتيار منه، وقد يذهب أصحاب البيوت إلى الأسواق ليمير أهله بما يحتاجون إليه من طعام ولباس، وكان "الأعشى" المازني الشاعر, في جملة من يمتار من سوق "هجر". وقد خرج مرة يمتار في شهر "رجب" من "هجر", فهربت امرأته بعده ناشزةً عليه، فعاذت برجل منهم يقال له: "مطرف بن نهصل". فلما قدم الأعشى أخبر أنها نشزت، وأنها عاذت بـ"مطرف" فأتاه، فقال له: يابن عم, عندك امرأتي معاذة فادفعها إليَّ, فامتنع مطرف وكان أعز منه، فخرج حتى أتى النبي فعاذ به وأنشده شعرًا، فكتب الرسول إلى "مطرف" أن يدفع زوجة الأعشى إليه، فدفعها إليه1.

وقد استغل بعض الناس هذه الطرق للتعيش منها، فعمل على حفر آبار بها، وعلى تهيئة ما يمكن تهيئته من وسائل الراحة للمسافرين؛ لينزلوا بها وليخففوا بذلك عنهم عناء السفر, وليتزودوا بالماء الطيب العذب. فنشأت عشرات المنازل، التي أراحت المسافرين وأصحاب القوافل، وجعلتهم في مأمن من الجوع والعطش وإمكانية التيه في البوادي والقفار. كما حفظت لهم حياتهم وأموالهم بضمان أصحاب تلك المنازل للمسافرين حياتهم وأموالهم من تحرش أحد بهم, ما داموا في جوارهم وفي حماهم، وضمان قبائلهم لهم حق الحماية والجوار، والقيام معهم بمعاقبة من يتطاول على المسافرين وينتهك حرمة الجوار.

وقد صارت الطرق موردًا من موارد العيش لمن لا عيش له ولا رزق من الصعاليك والذؤبان. فتجمعوا، وكونوا عصابات أخذت تتربص بالقوافل، حتى إذا جاءت قافلة انقضت عليها وسلبتها، ثم فرت بما غنمته إلى مواضع نائية قصية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015