ببضائع بلاد الشأم, وأخذ الأنصار والمهاجرون يتاجرون معًا في الأسواق، وقد تضخمت هذه التجارة بعد فتح مكة، ودخول القبائل في الإسلام ووصول الصدقات إلى بيت المال في المدينة، فتحسن حال أهل المدينة وصار لهم رأس مال مكنهم من تشغيله في التجارة وفي الزراعة، فاستغلوا أرض يثرب بزرعها زروعًا مختلفة، ثم استغلوا أموالهم هذه في الخارج بعد الفتوح.
وقد نشأت يثرب وتوسعت لوجود الماء بها، وهذا الماء هو الذي صيرها مستوطنة زراعية، كما صير غيرها من المستوطنات العديدة التي تقع في شمالها وتمتد حتى تتصل في فلسطين مستوطنات زراعية منتجة ذات بساتين ومزارع يعتمد في زرعها على العيون والآبار. وكان عماد حاصلها التمر. وقد أحاطت بيثرب هالة من "الحوائط" المغروسة بالنخيل، غرسها سادات يثرب، فصارت من أهم موارد رزقهم، وقد زرعوا بعض الخضر والبقول تحت النحيل، لسد حاجتهم وبيع الفائض منه في الأسواق. ولكبار الملاكين فيها "أطم" يعيشون فيها ويخزنون بها ميراتهم وحاصلهم، ويحتمون بها عند الخطر. وأما سواد الناس، فلهم بيوتهم، وبعضها بيوت ذات طابقين. ولم تكن المدينة مسورة ولا محاطة بخندق على ما يظهر من روايات أهل الأخبار، بل كانت مدينة مكشوفة، إذا داهمها خطر، قام أهلها بسد منافذ طرقها، وبالدفاع عنها من السطوح، وبمقاومته في الأزقة.
وأرض يثرب أرض خصبة كان من الممكن زرعها لو أقبل أهلها على الزراعة، ولكنهم لم يقبلوا عليها إقبالًا تامًّا، بل قام المتمكنون منهم بغرس الأرضين الغنية بالماء، والأرضين التي كان الماء فيها قريبًا من سطح الأرض بحفر الآبار بها، وتركوا الأرضين الأخرى مواتًا لم تزرع. وشغلوا الموالي والرقيق في الزراعة، ولو أجهدوا أنفسهم في استصلاح التربة وفي استنباط الماء، وحبس مياه السيول، لأحيوا بذلك أرضين واسعة. وبدليل أن بعض المهاجرين ممن كانت عندهم رغبة في الزراعة وأموالًا، عملوا في استصلاح أرضين مواتًا حتى أحيوها، وصارت تأتي إليهم بغلات وافرة.
ومن أثرياء يثرب "أحيحة بن الجلاح"، وهو من سادة الأوس1. وهو