أدم، أو تحويل المواد الأولية المتيسرة إلى مواد ذات ضرورة للمجتمع، وهي إما استهلاكية، توجر بها في الأسواق الداخلية، وإما انتاجية، صنعت للاستهلاك المحلي وللتصدير.

ومن أبرز المستوطنات التي ظهرت في باطن جزيرة العرب، مستوطنات اليمامة، والمستوطنات التي ظهرت على الأودية ومواضع الماء، وقد عاشت على الزراعة وتربية الماشية، ومونت الأعراب بالتمور، ومونت الحجاز بالحبوب. ومنها ما كانت ملتقى طرق برية، ربطت العربية الجنوبية بالعراق، ومنها ما ربط بين العربية الشرقية وبلاد الِشأم، وأنا آسف، لأن أقول إن معارفنا عن المستوطنات قليلة، لعدم وصول شيء في النصوص الجاهلية عنها، ولعدم تطرق أهل الأخبار إليها، إلا عندما يكون لذكرها صلة بالأيام أو بالشعر أو بالحوادث البارزة جدًّا التي وقعت قبيل الإسلام، أو التي كان لها اتصال بظهور الإسلام.

وأما المستوطنات التي برزت وظهرت في أطراف الجزيرة، فهي عديدة، أشهرها وأعرفها وأعرضها ذكرًا مكة والمدينة. مكة في التجارة، والمدينة في الزراعة. ولا يعني ذلك، أن المدينتين المذكورتين كانتا أعظم المستوطنات المذكورة، وأبرزهما في التجارة والزراعة عند ظهور الإسلام، وأن البقية الباقية، لم تكن لاحقة بهما في الناحيتين. فقول مثل هذا لا يمكن أن يجزم به مؤرخ حصيف، وانما جاءتهما هذه الشهرة بفضل الإسلام، فقد ظهر الإسلام في المدينتين المذكورتين، ونزل القرآن الكريم فيهما، وأِشير فيه إلى أمور عديدة وقعت بهما، وعاش الرسول فيهما، فمن هنا صار اهتمام العلماء وأهل الأخبار بهما أكثر من سائر مواضع جزيرة العرب، ولا سيما المواضع البعيدة النائية عن المدينتين، والتي لم يكن لها اتصال متين بظهور الإسلام، ومن هنا كثرت أخبارهما، حتى ظن الناس أن مكة قبل الإسلام، كانت أرض التجارة والتجار، وقبلة جميع العرب، ومجمع أصنام كل العرب، وموضع تكدس الأموال، وبلد الربا والمرابين، وهو استنتاج أخذ من الروايات التي قصها أهل الأخبار عنها دون نقد ولا تحليل، ولكننا لو استعرضنا ما ذكره أهل الأخبار أنفسهم عن هجر وعن البحرين وبقية العربية الشرقية، فإنه يرينا على قلته، أن مدن وقرى هذا الجزء من جزيرة العرب، لم تكن أقل درجة في المال والتجارة والانتاج من مكة أو المدينة، إن لم تكن قد تفوقت عليهما بالفعل، بدليل ما جاء في أخبارهم عن مقدار الزكاة والصدقات التي أرسلها عمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015