وذكر أن الجوف واد بأرض عاد، فيه ماء وشجر، حماه رجل اسمه حمار وكان له بنون فأصابتهم صاعقة فماتوا، فكفر كفرًا عظيمًا وقتل كل من مر به من الناس. فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته ومن فيه وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل. فقالوا: أكفر من حمار، وواد كجوف الحمار وكجوف العير وأخرب من جوف حمار1.
وورد إنه "حمار بن مالك"، وهو رجل من عاد وقيل من العمالقة. كان مسلمًا أربعين سنة في كرم وجود، فخرج بنوه عشرة للصيد، فأصابتهم صاعقة فهلكوا. فكفر كفرًا عظيمًا. وقال لا أعبد من فعل ببني هذا. وكان لا يمر بأرضه أحد إلا دعاه إلى الكفر، فإن أجابه وإلا قتله. فأهلكه الله وخرب واديه2.
وإذا وعد إنسان وعدًا، فعليه الوفاء به، لأن من شمائل الكريم الوفاء بالوعود والعهود. قالت العرب: "خلاف الوعد من أخلاق الوغد". وكانت العرب تستعيبه وتستقبحه. وضد ضربوا المثل برجل من العرب في مخالفته المواعيد، فقالوا: "مواعيد عرقوب". وعرقوب صاحب المواعيد3، قيل: إنه من الأوس، كان أكذب أهل زمانه. فضربت به العرب المثل في الخلف، فقالوا: مواعيد عرقوب. وذلك إنه أتاه سائل، وهو أخ له، يسأله شيئًا. فقال له عرقوب: إذا أطلع نخلي، "وفي رواية: إذا أطلعت هذه النخلة"، فلما أطلع، أتاه على العدة، قال: إذا أبلح، فلما أبلح أتاه، قال: إذا أزهى، فلما أزهى أتاه، قال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، قال: إذا أتمر. فلما أتمر، عمد إليه عرقوب وجده ليلا، ولم يعطه منه شيئًا فصارت مثلا في إخلاف الوعد. وورد:
وأكذب من عرقوب يثرب لهجة ... وأبين شؤما في الحوائج من زحل
وورد "مواعيد عرقوب أخاه بيترب"، بالتاء وهي اليمامة، ويروى بالمثلثة، وهي مدينة الرسول نفسها. ويقال: هو أرض بني سعد. والأول أصح، وبه فسر قول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل