والرابع أنها الأخلاص لله وحده والإقرار بالربوبية والإذعان للعبودية"1.
ترى مما تقدم، وسترى فيما بعد أن أهل الأخبار لم يكونوا على بينة تامة وعلم واضح بأحوال الحنيفية وبآرائها وقواعد أحكامها وأصولها، وأنهم خلطوا في بعض الأحيان فيما بينها وبين الرهبنة، ولا سيما رهبنة النصرانية. فأدخلوا فيها من يجب إخراجهم عنها، لأنهم كانوا نصارى على ما يذكره نفس أهل الأخبار في أثناء تحدثهم عنهم، ومن هؤلاء: قيس بن ساعدة الأيادي وورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث، فقد نصوا نصًّا صريحًا على أنهم كانوا من العرب المتنصرة، ثم نجدهم مع ذلك يدخلونهم في جملة الأحناف.
وللمستشرقين بحوث في أصلها ومعناها وفي ورودها عند العرب قبل الإسلام. ومنهم من يرى أن اللفظة من أصل إرمي، وقد كانت معروفة عند النصارى، وأخذها الجاهليون منهم، وأطلقت على القائلين بالتوحيد من العرب، على أولئك ظهرت بتأثير اليهودية والنصرانية، غير أن أصحابها لم يكونوا يهودًا ولا نصارى، وإنما كانوا فرقة مستقلة تأثرت بآراء الديانتين2.
وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن اللفظة من أصل عبراني، هو: "تحينوت" tchinoth، أو من "حنف" Hnef، ومعناه التحنث في العربية، وذلك لما لهذه اللفظة من صلة بالزهد والزهاد3. وقال "نولدكه" إنها من أصل عربي هو "تحنف"، على وزن تبرر، وهي من الكلمات التي لها معان دينية. ويلاحظ أن السريان يطلقون لفظة "حنفة" Hanfa على الصابئة4. وقد وردت لفظة "حنف" في النصوص العربية الجنوبية، وردت بمعنى "صبأ"، أي مال وتأثر بشيء ما5.