قال الهمداني: "وأما الجبال المقدسة عند أهل اليمن، فجبل حضور وصنّين ورأس بيت فائش من رأس جبل تخلى ورأس هنوم ورأس تعكر ورأس صبر. وفي رءوس هذه الجبال مساجد مباركة مأثورة"1.

وأرى أن قداسة هذه الجبال وردت إليها من الأيام التي سبقت الإسلام، من أيام الوثنية، وأن المساجد التي أنشئت في رءوسها, إنما أنشئت فوق معابد قديمة، لعبادة الأصنام، وذلك كما حدث في أماكن أخرى من جزيرة العرب حيث اكتسبت بعض المعابد الوثنية القديمة قدسية خاصة. فلما جاء الإسلام، ألبست ثوبًا إسلاميًّا, فبقيت حية، وتحولت بمرور الزمن إلى مزارات ومساجد تقام فيها الصلوات.

وقد اعتمد رواة خبر غزو "بختنصر" لأهل "حضور" على ما جاء عن "ابن الكلبي" و "ابن إسحاق" ونفر آخر ممن عُرفوا بروايتهم هذا النوع من الروايات التي تُعرف من معين الإسرائيليات. وما بنا حاجة أبدًا إلى البحث في أسماء رواته لمعرفة صلته بالتوراة. فالمسألة جِدّ واضحة. خذ التوراة واقرأ ما جاء في أسفار "أرميا" ونبوءته، تجد القصة مكتوبة في السفر التاسع والأربعين: "عن قيدار وعن ممالك حاصور التي ضربها نبوخذ راصر2 ملك بابل. هكذا قال الرب: قوموا اصعدوا إلى قيدار، اخربوا بني المشرق. يأخذون خيامهم وغنمهم، ويأخذون لأنفسهم شققهم وكل آنيتهم وجمالهم، وينادون إليهم الخوف من كل جانب.

"اهربوا، انهزموا جدًا، تعمقوا في السكن يا سكان حاصور، يقول الرب، لأن نبوخذ راصر ملك بابل قد أشار عليكم مشورة، وفكر عليكم فكرًا. قوموا إلى أمة مطمئنة ساكنة آمنة. يقول الرب لا مصاريع ولا عوارض لها. تسكن وحدها وتكون جمالهم نهبًا، وكثرة ماشيتهم غنيمة، وأدرى لكل ريح مقصوص الشعر مستديرًا، وآني بهلاكهم من كل جهاته يقول الرب. وتكوّن حاصور مسكن بنات آوي، إلى الأبد، لا يسكن هناك إنسان، ولا يتغرب فيها ابن آدم3".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015