عن الأصنام والأوثان أو الزندقة. ثم إن في الذي ذكروه وكتبوه تناقض محير، وتنافر عجيب، يجعلك تشعر، أن رواة تلك الأخبار، لم يكونوا يملكون يومئذ أدوات النقد لصقل ما سمعوه من أفواه الرواة، وما نقلوه عمن أدرك الجاهلية من أقوال، أو أنهم كانوا يعمدون إلى الوضع أحيانًا. لصنع أجوبة عن أسئلة وجهت إليهم في أمور لم يأتهم علم بها من قبل.
خذ ما ذكره "الطبري" في تفسيره عن اللات والعزى ومناة، تجده يروي أقوالًا ذكر سندها تتناقض فيما بينها بشأن هذه الأصنام، وبشأن بيوتها ومواضعها، مما يدل على أن رواة تلك الأخبار لم يكونوا على علم بأخبارها ولا وقوف على حقيقتها، بدليل أن كل واحد منهم ناقض غيره فيما قاله، وأن أحدهم يذكر خبًرا ثم يعود فيذكر ما يناقضه1. حدث كل ذلك في أمور كانت باقية إلى ما بعد فتح مكة، فكيف حالهم إذن في الأمور البعيدة نوعًا ما عن الإسلام.
ولا تتناول الموارد الإسلامية بعد، إلا الوثنية القريبة من الإسلام والوثنية التي كانت متفشية بين قبائل الحجاز في الغالب، وبين القبائل التي اعتمد عيها رواة الأخبار في جمع اللغة والأخبار لذلك لا نجد فيها ذكرًا للوثنية البعيدة عن الاسلام، فلم يرد فيها مثلًا أي شيء عن "المقه" إله سبأ الأكبر ولا عن بقية الآلهة العربية الجنوبية الكبيرة مثل "عثتر"، وعن دين العرب الجنوبيين وشعائرهم، ولا عن معبودات قبائل العربية الشرقية. أو قبائل العراق أو بلاد الشأم في الأزمنة البعيدة أو القريبة من الإسلام.
وأما أخبارها عن اليهودية والنصرانية، فقليلة جدًّا، قصتها وروتها لما لها من تماس وصلة بما جاء في القرآن الكريم، أو لما لها من علاقة بأيام الرسول. ولهذا صارت خرساء صامتة بالنسبة إلى أحوال أهل الكتاب في بقية أنحاء جزيرة العرب أو في العراق وفي بلاد الشأم. فلم تتحرش بهم إلا بقدر. وبسبب ذلك صارت معارفنا عنهم قليلة جدًّا. وقد كان في إمكان أهل الأخبار جمع معلومات واسعة عن النصرانية في العراق قبل الإسلام برجوعهم إلى رجال الدين النصاري الذين كانوا في الحيرة وفي مواضع أخرى من العراق، وهم رجال لهم علم واسع بهذه الأمور، لكن اختلافهم عنهم في الدين على ما يظهر، وانصرافهم إذ ذاك