ولا بد وأن يكون لتميم نفوذ في هذه الأرضين، أكسبها حق الحكومة بعكاظ، ولا بد أن يكون نفوذ بمكة وعند قريش، جعل لها الموسم. فرئاسه الموسم، من الرئاسات الكبيرة ذات الشأن عند قريش ومن هم في جوارهم، ولا يعقل تسليمها لتميم لو لم يكن لها نفوذ سابق بمكة وصلات شديدة بقريش. صلات تتجلى بالتصاهر الموجود بين قريش وتميم. ومن يدري فلعل تميمًا كانوا بمكة، ثم ارتحلوا عنها إلى مواضع أخرى؟
ولا أستبعد احتمال جلوس الحكام في الأسواق الأخرى للحكم بين الناس فيما يقع بينهم من خلاف. في أمور السوق من بيع وشراء واختلاف على سلع، أو من تنافر أو من تخاصم وتنازع. فهذه الأسواق هي مواسم يلتقي فيها من يتعامل بها من الناس، فيجدون فيها فرصة لحلّ ما بينهم من خلاف، فيلجئون إلى من يكون في السوق من الحكام، للحكم بينهم. وقد يتولى الفصل في الخصومات الناشئة عن التعامل والتبايع حكّامُ السوق, وهم الذين يتحكمون في السوق, ويشرفون عليها ويتقولون جبايتها والمحافظة على أرواح من يحضرها من الناس.
وقد تقع مظالم في هذه الأسواق وفي غيرها، فعلى الحكام أخذها من الظالم وإرجاع الظلامة إلى من وقعت عليه. والظلامة ما تطلبه عند الظالم1. ويطالب المظلوم بظلامته مطالبة أهل الثأر بثأرهم، ويعدون الظلم نقصًا يلحق بمن وقع الظلم عليه. وإذا لم ينصف لجأ إلى أهله وأبناء عشيرته لنصرته ومعاونته على أخذ حقه من المظالم، فكانت الأسواق من المجتمعات المناسبة للنظر في المظالم.