التفصيل أنني أريد تمهيد الجادة لمن يأتي بعدي فيرغب في التأليف في هذا الموضوع، وأنني أكتب للمتتبِّعين والمتخصصين، ومن حق هؤلاء المطالبة بالمزيد. وقد فعلت في هذا الكتاب ما فعلته في الأجزاء الثمانية من الكتاب السابق من تقصّي كل ما يرد عن موضوع من الموضوعات في الكتابات وفي الموارد الأخرى، وتسجيله وتدوينه؛ ليقدم للقارئ أشمل بحث وأجمع مادة في موضوع يطلبه؛ لأن غايتي من هذا الكتاب أن يكون "موسوعة" في الجاهلية والجاهليين، لا أدعِ شيئًا عنها أو عنهم إلا ذكرته في محله؛ ليكون تحت متناول يد القارئ، فكتابي هذا وذاك هما للمتخصصين وللباحثين الذين يطمعون في الوقوف على حياة الجاهلية بصورة تفصيلية، ولم يكتبا للذين يريدون الإلمام بأشياء مجملة عن تلك الحياة.
والكتاب لذلك سيخرج في أجزاء، لا أستطيع تحديد عددها الآن ولكني أقول بكل تأكيد أنها ستزيد على العشرة، وأنها ستتناول كل نواحي الحياة عند الجاهليين: من سياسية، واجتماعية، ودينية، وعلمية، وأدبية، وفنية، وتشريعية.
لقد أشار عليّ بعض الأصدقاء أن أُدخل في العرب كل الساميّين، وأن أتحدث عنهم في كتابي هذا كما أتحدث عن العرب؛ لأن وطن الساميين الأول هو جزيرة العرب، ومنه هاجروا إلى الأماكن المعروفة التي استقروا فيها؛ فهم في ذلك مثل القبائل العربية التي تركت بلاد العرب، واستقرت في العراق وفي بادية الشام وبلاد الشام، لا يختلفون عنهم في شيء، ثم قالوا: فإذا كنت قد تحدثت عن تلك القبائل المهاجرة على أنها قبائل عربية، فلِمَ تسكت عن أولئك الساميين، ولم تجعلهم من العرب؟
وجوابي أن القبائل العربية المهاجرة هي قبائل معروفة الأصل وقد نصّت الكتابات والموارد الأخرى على عروبتها، ونسبت نفسها إلى جزيرة العرب، ولهجاتها لهجات عربية، لا ريب في ذلك ولا نزاع، وثقافتها عربية. أما الشعوب السامية؛ فليس بين العلماء -كما سنرى- اتفاق على وطنها الأول، وليس بينها شعب واحد نسب نفسه إلى العرب، وليس في الموارد التأريخية الواصلة إلينا مورد واحد يشير إلى أنها عربية؛ ولهجاتها وإن اشتركت كلها في أمور،