ويروي الأخباريون أن إيادًا الذين كانوا اختاروا الإقامة في البحرين وهجر بعد تركهم مواطنهم القديمة في تهامة اضطروا إلى ترك مواطنهم الثانية والهجرة منها إلى العراق على أثر قدوم بني عبد القيس وشن بن أفصى ومن معهم مهاجرين من منازلهم إلى هجر والبحرين، فإن هؤلاء القادمين الجدد لما بلغوا هجر والبحرين ضاموا من وجدوهم بها من إياد والأزد، ثم أجلت عبد القيس إيادًا عن تلك البلاد، فساروا نحو العراق، وتبعتهم شن بن أفصى، فعطفت عليهم إياد واقتتلوا معهم حتى كاد القوم يتفانون، وقد بادت بسبب ذلك قبائل من شن1.
أما منازل إياد القديمة، فكانت تهامة مع أبناء أنمار ما بين حد أرض مضر إلى حد نجران وما والاها وصاقبها من البلاد2. ثم فارقت أنمار إخوتها ربيعة ومضر وإيادًا، فكثرت إياد وزاد عددها وكثرت قبائلها، فأخذت تعتدي على أبناء ربيعة ومضر، فوقعت بينها وبينهم من جراء بغيها هذا حروب، واجتمعت مضر وربيعة عليها، ثم تحاربوا في موضع من ديارهم يسمى "خانقًا" وهو لكنانة، فغلبت إياد، وظعنت من منازلها، وافترقت عن إخوتها، وتفرقت على رأي بعض الأخباريين ثلاث فرق: "فرقة مع أسد بن خزيمة بذي طوى، وفرقة لحقت بعين أباغ. وأقبل الجمهور حتى نزلوا بناحية سنداد. ثم اتفقوا، فكانوا يعبدون ذا الكعبات: بيتا بسنداد -وعبدتها بكر بن وائل بعدهم- فانتشروا فيما بين سنداد وكاظمة، وإلى بارق والخورنق وما يليها، واستطالوا على الفرات، حتى خالطوا أرض الجزيرة، فكان لهم موضع دير الأغور ودير الجماجم ودير مرة، وكثر من بعين أباغ منهم، حتى صاروا كالليل كثرة، وبقيت هناك تغير على من يليها من أهل البوادي، وتغزوا مع ملوك آل نصر المغازي"3، وحالها حسن معهم ومع الأكاسرة، حتى حدث حادث أفسد ما بينهم وبين الفرس، يرجعه الأخباريون إلى اعتداء نفر من إياد على نسوة من أشراف الأعاجم، وذلك في أيام "أنو شروان بن قباذ" أو "كسرى بن هرمز"، فسار إليهم الفرس، فانحازت إياد إلى الفرات، وجعلوا يعبرون إبلهم بالقراقير، ويجوزون الفرات. فتبعتهم الأعاجم، وكان على إياد يومئذ "بياضة