وأهم ما يعوز العرب في الجاهلية الشعور بفكرة "الأمة"، التي تسمو فوق القوميات القبلية وفوق الإقليميات الضيقة التي هي أيضًا صفحة من صفحات الأنانية، والشعور بلزوم الحد من الفردية الجامحة التي لا تعترف بحريات الآخرين، وبضرورة إطاعة المجتمع في سبيل المصلحة العامة، وإخضاع إرادة الحاكمين لمصلحة حكم الجماعة، والحد من أنانيتهم المفرطة ومن البت في أمور الرعية، وكأن الرعية سواد من ماشية، عليها إطاعة سوط الحاكم وأوامره، دون أن يكون لها حق في إبداء الرأي. فإن غلطة الاستبداد بالرأي تؤدي إلى أسوأ العواقب، غير أن الحرية المفرطة أو الأنانية الشديدة بتعبير أصح، التي كادت تجعل المجتمع فوضى -ضبطتها من ناحية أخرى قوة كبحت جماحها، وحدت من حريتها، وأجبرتها على التقيد بقيود، وعدم التحرك إلا بحد وحدود. هي سنة وجوب إطاعة أوامر المجتمع، والاستجابة لنداء الجماعة, ولأحكام رؤساء الأحياء والبطون والأفخاذ، والصيحات التي تصرخها القبيلة أو فروعها لتنادي بنداء "العصبية", وإلا عد الخارج على نداء الجماعة والمخالف لقرار رؤساء الأسرة أو الحي أو القبيلة خارجًا على القانون وعلى العصبية, فاستحق بذلك واجب خلعه من عصبية القبيلة له, وطرده من قومه. وهو أشد عقاب يفرض على مخالف ما, عقاب الخلع.