قريش في وضع الحجر الأسود في موضعه. فلما استعدت للقتال قربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دمًا، ثم تعاقدوا هو وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة، فسموا "لعقة الدم"1. ويظهر أن عقد الحلف بإدخال الأيدي في الدم من المراسيم المعروفة. وقد عرف قوم من بني عامر بن عبد مناة بن كنانة بلعقة الدم, وكانوا ذوي بأس شديد2, وجاء أن خَثْعَمًا إنما سموا خثعمًا؛ لأنهم غمسوا أيديهم في دم جَزُور3.

وتعقد الأحلاف على النار كذلك، وقد وصف "هيرودوتس" طريقة من طرق التحالف والمؤاخاة والمحافظة على العهود عند العرب، فذكر أن العرب يحافظون على العهود والمواثيق محافظة شديدة، لا يشاركهم في ذلك أحد من الأمم، ولها قداسة خاصة عندهم، حتى تكاد تكون من الأمور الدينية المقدسة. وإذا ما أراد أحدهم عقد حلف مع آخر، أوقفا شخصًا ثالثًا بينهما ليقوم بإجراء المراسيم المطلوبة في عقد الحلف؛ ليكتسب حكما شرعيًّا، فيأخذ ذلك الشخص حجرًا له حافة حادة كالسكين يخدش به راحتي الشخصين قرب الإصبع الوسطى، ثم يقطع قطعة من ملابسهما فيغمسهما في دمي الراحتين، ويلوث بهما سبعة أحجار. ويكون مكان هذا الشخص الذي يقوم بإجراء هذه الشعائر في الوسط، يتلو أدعية وصلاة للإلهين "باخوس" "رضي الله عنهachus" و"أورانيا" "Urania"، حتى إذا انتهو منها قاد الحلف حليفه إلى أهله وعشيرته لإخبارهم بذلك وللإعلان عنه، فيصبح الحليف أخًا له وحليفًا، أمرهما واحد بالوفاء4.

وما ذكره "هيرودوتس" عن عقد العرب أحلافهم على النار، هو صحيح على وجه عام. يؤيده ما ذكره أهل الأخبار عن "نار التحالف", وقولهم: كان أهل الجاهلية إذا أرادوا أن يعقدوا حلفًا، أوقدا نارًا وعقدوا حلفهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015