هي منازل كانت لآل جفنة، إلا أنها خربت، وتركها أهلها حتى صارت دوارس تعاقبها الرياح1.
ثم تطرق إلى ذكر من كان يناديهم بـ"جلق"، وهو موضع قيل إنه يقرب دمشق، وقيل إنه "دمشق": كيف كانوا كرماء أجوادًا يجودون على من يفد عليهم، لا فرق عندهم بين غني وفقير، يمشون في الحلل القشيبة المضاعف نسجها، ويجيرون من يستجير بقبر أبيهم "ابن مارية الكريم المفضل"، فلا يخاف من عدو ولا يخشى من اعتداء يقع عليه. كلابهم لا تهر؛ لأنها ألفت الضيوف وأنست بهم من كثرة تدفقهم عليهم. يسقون ماءً باردًا من "البريص"، ومن "بردا"، وهما نهران بدمشق، ممزوجًا بالرحيق، ثم تذكر "قصر دومة" أي دومة الجندل، وكيف شرب الخمر في حانوتها من ساق منتطف، أي مقرط وضع القرط في أذنه، والمنطقة في وسطه2.
وجلق كما ذكرت موضع من مواضع الغساسنة، ويظهر أن سلطان البيزنطيين لم يكن كبيرًا عليه. وقد اشتهر ببساتينه وبكثرة أشجار الزيتون به، وبوفرة مياهه وقد تغنى به الشعراء في الإسلام، فورد ذكره في شعر أبي نواس3. وكان الغساسنة يدفنون فيه موتاهم. ولهم ضريح ضم رفات ملوكهم. ومع شهرة المكان فقد اختلف الناس في تثبيت موضعه وتعيينه. والرأي الغالب أنه ليس من أطراف دمشق كما ذهب إلى ذلك بعض أهل الأخبار4.
وقد ترك الروم ساقتهم بـ"ثنية جلق" وعليها صاحب الساقة، وذلك ليراقب المسلمين حينما تقدموا لطردهم من بلاد الشام. ولم يرد للغساسنة أي ذكر في الدفاع عن هذا المكان5.
ويظهر من نظم هذه القصيدة، ومن أسلوبها ونفسها، ومن تذكر "حسان" لآل جفنة بعد أن كبر وتقدمت بن السن، أن هذا الشعر هو من الشعر المتأخر،