مثل تردد ملك الفرس وضعفه، فلم تكن له خطة ثابتة مما أثر في وضع "ملك عرب العراق" على كل حال، فقد أدى هذا الفتور إلى استفادة الحارث منه واستغلاله، فتقرب إلى الفرس وتودد إليهم حتى آل الأمر بأن يأخذ ملك الحيرة أمدًا حتى تغيرت الأحوال في فارس بموت قباذ وتولي "كسرى أنو شروان" الملك من بعده، فعاد المنذر عندئذ إلى عرش الحيرة وأبعد الحارث عن ملكه.

وآراء الأخباريين متباينة كذلك في المكان الذي اختاره الحارث للإقامة فيه بعد اغتصابه ملك "آل لخم"، فبينما يفهم من بعض الروايات أنه استقر في الحيرة وأقام فيها، نرى بعضًا آخر يرى أنه أقام في الأنبار1. وبينما يذكر "حمزة" أن الحارث حينما بلغه خبر قدوم المنذر عليه واقترابه من الحيرة، هرب فتبعته خيل المنذر، مما يفهم أنه كان في الحيرة، نجده يقول في موضع آخر: "أن الحارث كان بمعزل عن الحيرة التي كانت دار المملكة، ولم يعرف له مستقر، إنما كان سيارة في أرض العرب"2. ونجد صاحب الأغاني يذكر في موضع أنه كان في الأنبار، ويشير في موضع آخر أنه كان في الحيرة3.

وتتفق روايات الأخباريين على أن مجيء "كسرى أنو شروان" كان شرًّا على الحارث، وخيرًا لآل لخم، فقد كانت سياسة "أنو شروان" مناقضة لسياسة قباذ بسبب المزدكية. وقد ظهر اختلافهما هذا في السنين الأخيرة من سني حكم قباذ4. وقد أدى هذا الاختلاف إلى محاربة المزدكية وسقوطها. ويحدثنا "ملالا" "john malalas" أن سقوطها كان بعد وفاة "الحارث" وقبل غارة المنذر على بلاد الشأم5. وقد قام المنذر بها في شهر آذار من سنة "528" للميلاد على رواية "ثيوفانس"6 "theophanes". وكانت وفاة الحارث في أوائل سنة "528" للميلاد7. ومن رواية هذين الكاتبين يتبين أن الحارث كان قد قضى نحبه قبل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015