وعلى الرغم من الصلح الذي عقد في عام "532م" بين الفرس والروم، لم ينقطع النزاع بين الحارث الجفني والمنذر بسبب اختلافهما على الإتاوة التي تجبى من أعراب الـ "Strata"، أي المنطقة الواقعة في جنوب تدمر، وهي منطقة رعي لا شجر فيها ولا زراعة. وقد زعم "بروكوبيوس" أن كسرى، حرض المنذر على التحرش بالحارث، للإخلال بشروط الصلح، وإيجاد سبب لتجديد الحرب، وأن القيصر يوسطنيانوس "Justinianus" كلف رجلين من ثقاته وهما "ستراتيجيوس" "Strategius"، وهو من أصحاب الخبرة والحنكة في الشؤون الإدارية، و"سوموس" "Summus" وهو ممن قادوا الجيوش في فلسطين ومن السفراء الذين سبق أن كلفوا القيام بمهمات سياسية فأرسل رسولًا إلى نجاشي الحبشة وإلى ملك حمير "Homeritae" دراسة النزاع وإيجاد حل للمشكلة، فأشار "سوموس" على القيصر بعدم إجابة طلب المنذر وبالاحتفاظ بالأرض، أما "ستراتيجيوس"، فقد رأى أن الموضوع تافه وأن الأرض المتنازع عليها لا تستحق كل هذا الاهتمام. وقد مضى وقت طويل دون أن يجزم القيصر برأي1.
وفي هذه الأثناء ادعى كسرى أن القيصر قد أخل بشروط الصلح باتصاله بالمنذر "صلى الله عليه وسلمlamoundarus" وبمحاولته التأثير عليه وجره إليه. وبإرساله "سوموس" إلى المنذر مع كتاب خاص من القيصر يمنيه بالوعود وبمبالغ كبيرة من المال إذا انضم إلى الروم، وبأمور أخرى اتخذها حجة لإعلان إخلال الروم بالصلج2. وصار يتهيأ لحرب جديدة حتى تهيأت له الأسباب، وذلك في عام "540م"3.
وبعد مراسلات بين الفرس والروم دون بعضها "بروكوبيوس"، وهي مراسلات جميلة ترينا فن الدبلوماسية ومنطق الملوك في ذلك العهد، هاجم الفرس الروم. وغزا الحارث أرض الجزيرة للوقوف على قوة الفرس، ومقدرتهم4، وهاجم المنذر بلاد الشأم فبلغ فينيقية، وتوغل في مناطق واسعة من لبنان5.
وقد أشار الطبري إلى هذا النزاع الذي وقع بين المنذر والحارث بن جبلة،