والثقافة في المنطقة الواسعة الواقعة غربي الفرات1. وتظهر في بعض الكتابات بعض المصطلحات والكلمات العربية الأصيلة، كما نجد فيها أسماء أصنام عربية مع أصنام إرمية2. وبالجملة فإن في "تدمر" ثقافة هي خلاصة جملة ثقافات: عربية وإرمية ويونانية ولاتينية، وأقدم كتابة عثر عليها فيها لا يتجاوز تأريخها سنة "304" من التأريخ السلوقي، أي سنة "9" قبل الميلاد3.
كانت تدمر عقدة من العقد الخطيرة في العمود الفقري لعالم التجارة بعد الميلاد تمر بها القوافل تحمل أثمن البضائع في ذلك الوقت. كانت على اتصال بأسواق العراق وما يتصل بالعراق من أسواق في إيران والهند والخليج والعربية الشرقية، كما كانت على اتصال بأسواق البحر المتوسط ولا سيما ديار الشأم ومصر، كما كانت على اتصال بالعربية الغربية وبأسواقها الغنية بأموال إفريقية والعربية الجنوبية والهند. إن هذه التجارة هي التي أحيت تلك المدينة. كما أن تغير طرق المواصلات بسبب تغير الأوضاع السياسية هو الذي شل جسم تلك المدينة فأقعدها عن الحركة بالتدريج.
لقد كانت القوافل الذاهبة من العراق إلى بلاد الشأم، أو القادمة من بلاد الشأم إلى العراق، تمر بمدينة "تدمر". وكان الموضع الذي تحط فيه قوافل "تدمر" هو موضع "Vologesies" = "Vologesokerta" على نهر الفرات. ومن هذا المكان تنقل التجارة إلى الجهات المقصودة في العراق، ومنه تحمل تجارة العراق بالبر إلى "تدمر" فدمشق4.
ويظهر من كتابة عثر عليها في إحدى المقابر أن القوافل التجارية كانت تمر في حوالي سنة مئة قبل الميلاد بمدينة "تدمر" في أثناء أسفارها بين مدينة "دورا" "عز وجلoura" والشأم. وبين الطريق القديم وهذا الطريق، تسكن قبائل عربية من سكان الخيام. أي من النوع المعروف باسم "سكينيته" "Skenita" عند "الكلاسيكيين"5.