من النبط بأية طريقة كانت، فلما سمع النبط بقدومها، أمنوا أموالهم في مواضع حصينة يصعب الوصول إليها، ووضعوا عليها حراسة كافية، وسلكوا طرقًا متعددة تؤدي بهم إلى البادية. فلما وصل "ديمتريوس" إلى "الصخرة"، هاجمها بعنف وشدة، غير أنه لم يفلح في اقتحامها والاستيلاء عليها، ورجع بجيوشه قانعًا بالهدايا التي قدمت إليه1.
ويذكر "ديودورس" أن النبط كانوا قد لجأوا إلى اتخاذ أماكن حراسة وضعوا فيها حراسًا، واجبهم تنبيه النبط حين تبدو ظاهرة خطر عليهم، بإيقاد نيران في مواضع مرتفعة من تلك الأماكن، تكون علامة على وجود الخطر. فلما ظهر "ديمتريوس" متجهًا نحو الصخرة، أوقد الحراس النار، فهرب النبط إلى مواضع أمينة من البادية، وتخلصوا مع أموالهم منه؛ لأنه خاف من ملاحقتهم لعدم تمكن جيشه من تعقب آثارهم ولخوفهم من ولوج البادية، وقد كان "المقدونيون" يخشون من دخولها2.
كان النبط من الشعوب العربية التي جمعت ثروة عظيمة، واكتنزت الذهب والفضة بفضل اشتغالها في التجارة وموقعها الممتاز الذي تلتقي عنده جملة طرق تجارية برية كانت عماد طرق القوافل في ذلك الزمن إليها يصل طريق اليمن والعربية الجنوبية المهم الموازي للبحر الأحمر، ومنها يتفرع الطريق إلى مصر والشأم وغزة والمدن الفينيقية على البحر المتوسط، وإليها يصل طريق تجاري آخر مهم يصل الخليج بمدينة "بطرا". ويصل مدينة تجارية أخرى لم يكن شأنها في التجارة أقل من شأن عاصمة النبط، وأعني بها مدينة جرها "Gerrha" على الخليج. فتحمل إليها تجارة الهند وما وراء الهند، وحاصلات إيران والعربية الشرقية لتوزع منها في الشأم ومصر وموانئ البحر المتوسط. وقد عمل ملوك النبط بكل ذكاء على الاستفادة من هذه الطرق واستغلالها لمصحلتهم ومصلحة مملكتهم3. وقد اقتضى ذلك بالطبع وضع حرس قوي لحماية القوافل وإجراء التسهيلات الضرورية لأصحابها والاتفاق مع سادات القبائل لضمان سلامتها مقابل مبالغ تدفع لهم عن المرور "الترانزيت".