تلك هي آراء المستشرقين في أصل النبط. أما رأي أصحابنا الأخباريين فيهم فخلاصته أن النبط "جيل من العجم ينزلون البطائح بين العراقين، سموا بذلك لكثرة النبط عندهم، وهو الماء. وسمي أولاد شيث أنباطًا؛ لأنهم نزلوا هناك. هذا أصله، ثم استعمل في عوام الناس وأخلاطهم ... "1 والعرب تنفر من النبط وتنظر إليهم نظرة ازدراء واحتقار، وإذا أراد أحدهم الاستهانة بأحد قال له "يا نبطي". "وفي حديث الشعبي أن رجلًا قال لآخر يا نبطي، فقال: لا حد عليه كلنا نبط، يريد الجوار والدار دون الولادة"2. وورد في الأخبار: "أهل عمان عرب استنبطوا، وأهل البحرين نبط استعربوا"3. وضرب المثل في رطانة كلام النبط بالعربية وقبحه: "وقد قبح الكلام، وصار على كلام النبط"4. إلى غير ذلك من كلام فيهم يشير إلى ازدراء العرب بنبط العراق، ونبط الشأم وبالنبط عامة.
وقد أشار المسعودي إلى أن "من الناس من رأى أن السريانيين هم النبط ... " وقال في معرض حديثه عن أهل نينوي: "وكان أهل نينوي ممن سمينا نبيطًا وسريانيين، والجنس واحد، واللغة واحدة، وإنما بان النبط عنها بأحرف يسيرة في لغتهم، والمقالة واحدة". وجعل النبط أهل بابل، وملوك بابل هم ملوك النبط. وذكر أيضًا أن هنالك من يزعم أن النبط هم "نبيط بن ماش بن إرم ابن سام بن نوح"5. فيفهم من كلام "المسعودي" أنه لم يكن على علم واضح بأصل أهل نينوي وبأصل أهل بابل، فجعلهم من السريان ومن النبط. والمسعودي مثل بقية الأخباريين عني بالنبط المتكلمين بالإرمية "الآرامية" من أهل العراق. والسريانية كلمة حديثة عهد، يراد بها لغة بني إرم، أي "الإرمية". ولا يرتقي اسم "السريان" "Syrians" على كل حال أكثر من خمسمئة سنة أو أربعمئة