ابن جبلة"، كما يقول المؤرخ "بروكوبيوس" "عاملًا"، أي: "فيلاركا" "فيلارخا" Phylarch على عرب "سرسينس" Saracens فلسطين، وكان "أبو كرب" كما يقول "بروكوبيوس"، رجلًا صاحب مواهب وكفاءة، تمكن من حفظ الحدود ومن منع الأعراب من التعرض لها، وكان هو نفسه يحكم قسمًا منهم، كما كان شديدًا على المخالفين له. وذكر أيضًا أنه كان يحكم أرض غابات النخيل جنوب فلسطين، وهي أرض واسعة تمتد مسافات شاسعة في البر ليس بها غير النخيل. وقد قدمها هدية إلى الإمبراطور، فقبلها منه، وعدها من أملاكه، مع أنه كان يعرف جيدا أنها فيافٍ وبادية لا يمكن الاستفادة منها؛ ليس فيها غير النخيل، وليس لهذا النخيل فائدة تذكر. ويجاور عربها عرب آخرون يسمون "معديني" "مديني" Maddeni، هم أتباع لـ"حمير"1 Homeritae.
وهذه الأرض التي حكمها "أبو كرب بن جبلة"، هي الأرض التي حكمها "امرؤ القيس" سابقًا نفسها, أو يظهر أن الروم لم يتمكنوا من ضبطها ومن تعيين حاكم بيزنطي عليها؛ فاضطر إلى الاعتراف بالأمر الواقع، فثبتوا "أبا كرب" في مكانه، واعترفوا به اعترافا رسميا "عاملا" على هذه المنطقة التي تقع في جنوب أرض الغساسنة، وفي الأردن وأعالي الحجاز. ويظهر من ذلك أيضا أن "أبا كرب" كان عاملًا مستقلًّا بشئونه عن الغساسنة؛ ونكون بذلك أمام إمارتين مستقلتين.
وإذن يكون "أبو كرب" من المعاصرين للحارث بن جبلة ملك الغساسنة, وقد كان حكمه قبل السنة "542م" بدليل إرساله رسولًا إلى أبرهة لتهنئته عند ترميمه سد مأرب الذي أنجز في هذه السنة.
إن اسم "أبو كرب بن جبلة" يثير فينا الظن بأن هذا الرجل كان من آل غسان؛ فهذا الاسم هو من الأسماء التي ترد بكثرة عندهم. وقد يحملنا على تصور أنه كان شقيقًا للحارث بن جبلة، غير أني لا أستطيع الجزم بذلك؛ لسكوت الموارد السريانية واليونانية عن التصريح بذلك أو التلميح إليه.
لقد كان من نتائج توثيق الروم صلاتهم بمملكة "أكسوم"، تهديدهم اليمن