طعام وما ذبحه من بقر وأغنام، وما صرفه من دبس "دبسم" وخمر وغير ذلك مما ذكره وفصله1. وقد استخدم الملك عشرين ألف رجل لإصلاح السد2.
لقد قَلََّ شأن مأرب في هذا العهد، وأخذ الناس يرحلون عنها إلى مواضع أخرى مثل "صنعاء" التي تألق نجمها حتى صارت مقرًّا للحكام الذين أقاموا في قصر "غندن" "غندان"، أي: "غمدان"، وقد يكون لتصدع السد مرارا، دخل في هذا التحول، حيث أجبر المزارعين على ترك أرضهم التي أصابها التلف والجفاف والارتحال إلى أرضين أخرى، فتركوها إلى الهضاب والجبال. وقد يكون للتحول السياسي الذي أصاب هذا العهد دخل أيضًا فيه3.
وفي تصدع السد بعد مدة ليست طويلة من ترميمه وإصلاحه وتجديده، وبعد إنفاق أموال طائلة عليه واشتغال آلاف من العمال في بنائه، شيء يثير السؤال عن سبب سقوطه أو سقوط جزء منه بهذه السرعة، فهل تهدم من سقوط أمطار غزيرة جدًّا في هذا العام لم يكن في طاقة السد احتمالها فسقط؟ أم أن بناء السد لم يكن قد كمل تمامًا، فسقطت أمطار غزيرة سببت انهيار الأماكن الضعيفة من المواضع التي لم تكن قد تمت، فانهار لذلك؟ أم أنه انهار بفعل كوارث طبيعية مثل زلزال أو بركان؟ إلى هذا الرأي الأخير يميل "فلبي" في كتابه "سناد الإسلام"4.
إن مما يؤسف عليه حقًّا أن هذا النص لم يذكر أسماء القبائل التي هربت من "رحبتن" "رحبت" "الرحبة" خوفًا من الهلاك. وعلى الجملة، فالمستفاد منه بكل صراحة أن القبائل التي كانت تقطن هذه المنطقة تفرقت وتشتتت لتهدم السد, وفيه دليل على وجود أصل تأريخي للروايات العديدة التي يرويها الأخباريون عن تهدم سد مأرب وتفرق سبأ5. ولكننا لا نستطيع بالطبع أن نقول: إن هذا الحادث الذي وقع في أيام "شرحبيل" هو الحادث المقصود في روايات الأخباريين، وهي روايات يتغلب عنصر الخيال والابتداع والمبالغات فيها على عنصر الحقيقة والتأريخ.