"فإنَّهُ جبريلُ أتاكُمْ يُعلِّمُكُم أَمْرَ دينِكُم".
ورواه أبو هريرة - رضي الله عنه -، وفي روايته: "وأنْ ترَى الحُفاةَ العُراةَ الصُّمَّ البُكمَ مُلوكَ الأرض في خمسٍ لا يَعلمُهُنَّ إلَّا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} الآية".
قوله: "بينما ... " إلى آخره، (بين): كلمة معناه: الوسط، يقال: جلس بين القوم؛ أي: في وسطهم، وتُشبَع فتحة النون حتى يتولَّدَ منها ألفٌ، فيقال: (بينا)، ويزاد عليه (ما)، فيقال: (بينما)، ومعنى ثلاثتها واحد، وثلاثتُها ظرفٌ، فقد يكون ظرفَ مكان كقولك: جلس بين القوم وبين الدار، وقد يكون ظرفَ زمان كما ها هنا، وحقيقته: بين الزمان الذي "نحن" كنا "جالسين عند رسول الله عليه السلام، طلع"؛ أي: ظهر ودخل "علينا رجلٌ" ثيابُهُ بيضٌ على غاية البياض، وشعرُهُ أسودُ على غاية السواد، وظهور جبريل - عليه السلام - على هذه الهيئة يدل على أشياء:
أحدها: أن الملك ممكنٌ خروجُهُ بصورة البشر بأمر الله تعالى، وليس ذلك باختياره وقوله، بل بتصييره الله إياه على أيِّ شكل شاء الله.
فإن قيل: هل يمكن لجميع الملائكة الخروجُ بصورة البشر أم لا؟
قلنا: هذا من علم الغيب، لا يعلمه أحدٌ إلَّا بطريق الوحي، وصاحبُ الوحي نبينا - عليه السلام - أخبر عن نزول الملائكة على صورة البشر راكبين على الأفراس يوم البدر، ويوم حُنين، وفي غزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، فما وجدنا فيه نصًا نعتقده ونتحدث به، وما لم نجدْ فيه نصًا نَكِلُ علمه إلى الله تعالى وإلى الرسول، ولا نتكلم به، ولا عبرة بأقوال الحكماء وأصحاب المعقول، فإن الدينَ سمعيٌّ عن صاحب الشريعة، وليس فيها للعقل استقلالٌ واهتداءٌ بنفسه دون إخبار صاحب الشريعة.
والثاني: أن النظافةَ وبياضَ الثوب سنةٌ مرضية لله تعالى؛ لأنه لو لم يكن