في جوف الماء.
(خرجت)؛ أي: خرجت المصابيح، عن (مشكاة التقوى)؛ أي: عن صدر النبوة الذي هو معدن التقوى ومبين التقوى.
(المشكاة): الكوَّةُ التي تكون في الحائط وغيره، يوضع فيها المصباح، وقيل: المشكاة هي الظرف الذي فيه الدهن والفتيلة، والمصباح هو الضوء.
شبَّه المصنف - رحمه الله - الأحاديثَ بالمصابيحِ، وفم النبي أو صدره بالمشكاة، وهي تشبيه على غاية الحسن والفصاحة.
"مما أوردها الأئمةُ في كتبهم، جمعتُها للمنقطعين إلى العبادة؛ لتكون لهم بعد كتاب الله حظًّا من السنن، وعونًا على ما هم فيه من الطاعة".
(أوردها)؛ أي: من الأحاديث التي جمعها الأئمة في كتبهم، ورد الرجل: إذا أتى بنفسه، وأورده غيره: إذا أتى به.
(الأئمة): جمع الإمام.
(للمنقطعين إلى العبادة)؛ أي: لمن انقطع عن جمعِ المال، وأعرضَ عن الدنيا، وتوجَّه إلى العبادة وأمرِ الآخرة، فمن كانت هذه صفته لا بدَّ له من معرفة الأحاديث؛ لأنَّ من أراد أن يسلكَ من مفازة بعيدة، لا يمكنه سلوكها إلا بدليل حاذقٍ يَقتدي به، ويمشي على أثره؛ ليوصله إلى المقصد، فلا سبيلَ أبعدَ وأخوفَ من سبيل الآخرة، فإذن لا بد لسالك هذا السبيل من دليلٍ حاذقٍ، ودليلُ هذا السبيل رسولُ الله عليه السلام، فلا بدَّ لسالكي سبيل الآخرة من الاقتداء بأفعال رسول الله - عليه السلام - وأقواله، ولا سبيلَ إلى معرفة أفعاله وأقواله بعد الصحابة إلا بتتبع الأحاديث، فإن أفعال رسول الله - عليه السلام - وأقواله منقولة فيها، فمن حُرِم الأحاديثَ حُرِم خيرَ الدنيا والآخرة، ومن رُزِقَ منها حظًّا رُزِقَ حظًّا كاملًا من خير الدُّنيا والآخرة.