والثاني: وهو المأمور، وهو الذي يأمرُه الأمير، ويأذَنُ له في ذلك، وهذان يجوز لهما الوَعْظ.
والثالث: المختالُ وهو المتكبِّر، اختال: إذا تكبر، والمراد بالمختال ها هنا: الواعظ الذي ليس بالأمير ولا بالمأذون من جهة الأمير، ومن كان هذه صفتَه فهو متكبِّرٌ فُضُوليٌّ طالبٌ للرئاسة.
وقيل: هذا الحديث في الخطبة خاصَّةً؛ لأن الخُطْبةَ للأمراء ولمن نَصَّبه الأمراء.
وفي هذا الحديث زَجْرٌ عن الخطابة والوَعْظ بغير إذنِ الإمام، وإنما كان كذلك لأن الإمام أعرَفُ بمصالح الرعية، فلينظر الإمامُ في العلماء، فمن رأى فيه علمًا وديانةً، وتَرْكَ الطمعِ وحُسْنَ العقيدةِ وسكونَ النفس عن العداوة مع الناس = يأذنْ له في أن يَعِظَ الناسَ، ومن لم ير فيه هذه الصفات لم يأذنْ له في الوعظ؛ لئلَّا يوقعَ الناسَ في البدعة والجهل.
كُنية "عوف": أبو عبد الرحمن، واسمُ جَدِّه: أبو عوف.
* * *
184 - وقال: "مَنْ أُفتيَ بغيرِ عِلْمٍ كان إثمُهُ على مَنْ أفتاه، ومَنْ أشارَ على أخيهِ بأمْرٍ يعلَمُ أنَّ الرُّشْدَ في غيره فقدْ خانَهُ"، رواه أبو هريرة.
قوله: "من أفتى بغير علم" (أفتى): فعلٌ ماض مجهول من الإفتاء، وهو أن يأمر أحدًا بحكمٍ من أحكام الشرع، وأجابه بعد سؤاله.
يعني: كل جاهل سأل عالمًا عن مسألة فأجابه العالمُ بجوابٍ باطل، والسائلُ لم يعلمْ كونَ الجوابِ باطلًا، فعمل السائلُ بتلك المسألةِ لا إثمَ على السائل؛ لأنه لم يعلم كونَ الجوابِ باطلًا، وإنما الإثمُ على المجيب.