فإن قيل: قد نهاهم النبي عليه السلام في حديث الباب المتقدم عن أن يكتبوا شيئًا عن لسان بني إسرائيل، وقال لهم: (أَمُتَهَوِّكُونَ أنتم)، ورخصَّ لهم (?) هنا في التحدث عن بني إسرائيل، كيف التوفيق بين الحديثين؟.

قلنا: المراد بالتحدث عن بني إسرائيل هنا: أن يتحدثوا بقصص بني إسرائيل من حديث عوج بن عنق، وقتل بني إسرائيل أنفسهم لتوبتهم عن عبادة العجل، وغير ذلك من حكاياتهم وقصصهم؛ لأن في ذلك عبرة (?) وموعظة لأولي الألباب.

وأما ما نهاهم عنه في الحديث المتقدم: هو ما أراد المسلمون كتابته (?) من أحكام التوراة وشريعة موسى عليه السلام، فنهاهم النبي عليه السلام؛ لأن جميع الشرائع والأديان والكتب صارت منسوخة بشريعة النبي عليه السلام.

قوله: "ومن كذب علي متعمدًا فليتبَوَأْ مقعَدَهُ من النار"، (تبوأ): إذا هَيَّأَ، (المَقْعَد): المنزل؛ يعني: قد أذنت لكم أن تتحدثوا عن بني إسرائيل بشرط أن تتحرزوا عما عَلِمْتُم كذبه.

قوله: (متعمِدًا) نصب على الحال، وهذا إشارة إلى أن من نقل حديثًا وعلم كذبه، يكون مستحقًا للنار، إلا أن يتوب أو يعفو الله عنه.

وأما مَنْ سمع حديثًا منقولًا عن رسول الله عليه السلام مِنْ واحد، أو رآه في كتاب، ولم يعلم كذبه، لم يكن عليه إثم برواية ذلك الحديث، ولكن ينبغي أن لا ينقل الحديث إلا من شيخ معتبر أو كتاب مصنفه معتبر؛ لأن النبي عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015