متحيِّرين مترِّددين في ملتكم كما تحيَّرت اليهود؛ لأن طلبَ شيءٍ لم يأمرهم به نبيُّهم دليلٌ على أن الرجل يظن نقصان ما أتى به النبي عليه السلام من الدين، واعتقد أنما أتى به النبي عليه السلام من الدِّين، ناقص قبيح، بل ينبغي أن يعتقد الرجل أنَّ ملةَ نبينا أفضلَ الملل وأكملها، ويحتاج إلى ملتنا جميعُ المِلل ولا يُحتاج إلى مِلَّةٍ أخرى.
قوله عليه السلام: "لقد جئتكم بها بيضاءَ نقيةَ"، (بيضاءَ نقيةَ): منصوبان على الحال، وكلاهما عبارة عن الظهور والصَّفاء والخُلوص عن الشكِّ والشبهة.
يعني: لقد جئتم بالملَّةِ الحنيفية في حال كونها أظهر الملل وأيسرها لا مشقة فيها؛ بخلاف ما كان في دين اليهود من المشقة العظيمة؛ لأن في دينهم أن يخرجوا ربع أموالهم في الزكاة، وأن يقطعوا مواضع النجاسة من الثوب، ولا يجوز غسله، وغير ذلك من العُسْرِ.
قوله: "ولو كان مُوسى حَيَّاً لما وَسِعَهُ إلا اتِّباعي"، (لما وسعه)؛ أي: ما ينبغي له شيء غير اتباعي، ولا بُدَّ له من اتباعي؛ يعني: لو كان موسى حيًا لا يجوز له أن يفعل فعلاً أو يقول قولاً إلا بأمري، فإذا كانت هذه حال موسى، فكيف يجوز لكم أن تطلبوا فائدة مِنْ موسى مع وجودي؟!
* * *
141 - عن أبي سعيد الخُدريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ أكلَ طيِّبًا، وعملَ في سُنَّةٍ، وأمِنَ النَّاسُ بوائقَهُ دخلَ الجنَّةَ"، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله! إنَّ هذا اليومَ في الناسِ لكثيرٌ، قال: "وسيكونُ في قُرونٍ بَعْدي".
قوله: "من أكل طيِّبًا"؛ أي: مَنْ كان قوتُهُ حلالاً، "وعَمِل في سُنَّة"؛ أي: وعمل كل فعل يفعله وكل قول يقوله على وِفق الشَّرع، والنكرة في (سنة)؛ إما أن تكون النكرة هنا بمعنى المعرفة، أو يكون معناه: عَمِلَ كل عملٍ بسنته؛