وقوله تعالى: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ} [آل عمران: 113] أراد به: من انتقلَ من اليهودية والنصرانية إلى الإسلام، فآمن بجميع الكتب، وواظَب على العمل بمضمون القرآن، وقيل: أراد: أرباب الأحاديث؛ لأنهم قائمون بنقل الأحاديث وإحيائها.
* * *
مِنَ الحِسَان:
4931 - عن أنسٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ أُمَّتي مَثَلُ المَطَرِ، لا يُدْرَى أَوَّلُه خَيْرٌ أَم آخِرُهُ".
قوله: "مَثَلُ أمَّتي كالمَطَر، لا يُدرى أوَّلُه خيرٌ أم آخِرَه"، وإنما شَبَّه أمتَه - صلى الله عليه وسلم - بالمطر؛ يعني: شَبَّه نفعَهم في الدين بنفع المطر في الزرع، لا من حيث أن التردُّد في فضل القَرْنِ الأول أنهم أفضلُ من القرن الثاني بلا خلاف، بل التابعي أفضل ممن بعده؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "خيرُ الناسِ قرني، ثم الذين يلُونهم، ثم الذين يلُونهم" بيان شبههم بالمَطَر لأن المطر يُنْبتُ الزرعَ في الأول، ويُنْمِيه في الثاني، ولا يُدْرى أنَّ نفعه في الأول أكثرُ أم في الثاني، فكذلك إن القرن الأول مَهَّدوا قواعدَ الشريعة وأساسَها، والقرن الثاني حَفِظُوها، وشَهَّروها، وعَمِلوا بمضمونها إلى قيام الساعة، فلا يُدرى - أيضًا - أن نفعَ القرنِ الأول في تمهيدهم أصلَ الشريعة أكثر، أم نفع القرن الثاني في حفظها والعمل بها؟ بل النفعُ موجودٌ في كليهما، من حيث إن أصلَ النفعِ في القرنين مشترَكٌ، وهو دوام توفيقِهما للعمل بمقتضى الشرع، بخلاف الأمة السالفة؛ فإن آخرَهم بدَّلوا ما كان أوَّلُهم عليه، وحَرَّفوه، قال الله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ