النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والله المَوعِدُ، وإنَّ إخْوَتِي مِنَ المُهاجِرينَ كانَ يَشغَلُهُم الصَّفْقُ بالأسْواقِ، وإنَّ إخْوَتِي مِنَ الأنْصَارِ كَانَ يشغَلُهُمْ عَمَلُ أموالِهِمْ، وكنْتُ امْرَءًا مِسْكينًا، ألزَمُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على مِلْءَ بَطنِي، وقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -يَومًا: "لَنْ يَبسُطَ أَحَدٌ منكُمْ ثَوْبهُ حتَّى أقضيَ مَقالتِي هذهِ ثُمَّ يَجمعُهُ إلى صَدرِهِ فيَنسَى منْ مَقالتِي شيئًا أبدًا"، فبسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غيرُهَا، حتَّى قضَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَقالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُها إلى صَدرِي، فَوالذِي بَعثَهُ بالحَقِّ ما نَسيتُ مِنْ مَقالتِهِ تِلْكَ إلى يَومِي هذا.
قوله: "والله الموعدُ"؛ أي: لقاء الله سبحانه يوم القيامة موعدنا؛ يعني: مرجعُنا إليه تعالى، فيظهرُ عنده صدقُ الصادق وكذبُ الكاذب لا محالةَ.
قوله: "يشغلهم الصفقُ با لأسواق"؛ أي: البيع والشِّراء، قال في "الغريبين": قيل للبيعة: صفقة؛ لضرب اليد على اليد عند عقدِ البيع، يقال: (صَفَقَ بيده) و (صَفَحَ) سواء.
يريد بـ "المهاجرين": أهل مكة، وبـ "الأنصار": أهل المدينة؛ يعني: أهلُ مكة كان تشغلهم التجارات عن ملازمتهم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأهلُ المدينة كان يشغلهم عملهم في نخيلهم - التي هي أموالهم - عن ملازمتهم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، وكنت مُلازمًا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كان لي شيءٌ يشغلني، فلهذا كثرت روايتي عنه - صلى الله عليه وسلم -.
قوله: "لن يبسُطَ أحدٌ منكم ثوبَهُ حتى أقضيَ مقالتي هذه"، قيل: كانت مقالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الدعاءَ للصحابة بالحفظ والفهم.
* * *
4612 - وقَالَ جَرِيْرُ بن عبدِ الله: قالَ لي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا تُريحُني منْ ذِي الخَلَصَة؟ "، فقلتُ: بلى يا رَسُولَ الله! وكُنْتُ لا أثبُتُ على الخَيْلِ، فَذَكَرتُ