وإنما يُسمى الجواز ورودًا؛ لأنهم إذا مرُّوا على الصراط يشاهدون النارَ ويحضرونها، تقول: وَرَدتُ بلدَ كذا: إذا حضرتُه، ولو لم تدخل فيه، قال الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص: 23]، ولم يدخله.
قال الشيخ شهاب الدين التُّورِبشتي - رحمة الله عليه - في "شرحه": معنى قوله: (يصدرون منها): ينصرفون عنها، فإن الصَّدَرَ إذا عُدِّي بـ (عن) اقتضى الانصراف، وعلى هذا الاتساع معناه: النجاة منها بأعمالهم، إذ ليس هناك الانصرافُ، وإنما هو المراد: عليها، فوضع الصَّدَرَ موضعَ النجاة للمناسبة التي بين الصدور والورود، هذا كله لفظ الشيخ.
وقد قيل: (الورود) بمعنى: الدخول، واستدل بقوله تعالى حكايةً عن فرعون وقومه: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود: 98]، وقوله حكايةً عن الأصنام وعابدِيها: {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} [الأنبياء: 98، 99].
قال الإمام الربَّاني أبو الفتوح العجلي - قدَّس الله روحه - في تفسيره المرسوم بـ "الموجز" في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72]: رُوي عن أبي سمية قال: اختلفنا بالبصرة في الورود؛ فقال قوم: لا يدخلها مؤمنٌ، وقال آخرون: يدخلونها جميعًا، ولقيتُ جابرَ بن عبد الله - رضي الله عنه -، فقلت له: إنما اختلفنا فيه بالبصرة؛ فقال قوم: لا يدخلها مؤمنٌ، وقال آخرون: يدخلونها جميعًا {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا}، فأهوى باصبعَيه إلى أذنيه - أي: أشارَ، قال الأصمعي: أَهويتُ بالشيء: إذا أَوَمأت به، ذكره في "الصحاح" - وقال: صُمَّتَا إن لم أكن سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الورودُ الدخولُ، لا يبقى بَرٌّ ولا فاجرٌ إلا دخلَها، فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم عليه السلام، حتى إن للنار - أو قال: إن لجهنم - ضجيجًا من بردهم".
° ° °