رقَبَتِهِ إلى تَرْقُوَتِهِ نُحاسًا، فلا يَسْتطيعُ إليهِ سَبيلاً، قال: فَيَأْخُذُ بيدَيْهِ ورِجلَيْهِ فيَقْذِفُ بهِ، فيَحْسِبُ النَّاسُ أنَّما قذَفَهُ إلى النَّارِ، وإنَّمَا أُلقيَ في الجنَّةِ". فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهادَةً عندَ ربِّ العالمينَ".

قوله: "فيتوجَّهُ قِبَله رجلٌ من المؤمنين"، (القِبَل) بكسر القاف وفتح الباء: النحو والجانب؛ يعني: يقبل نحو الدجال وجانبه رجلٌ من المؤمنين.

"المَسالِح": جمع مَسْلَحة، وهم قوم ذوو سلاح.

"البصائر": جمع بصيرة، وهي بصر القلب، وهي في الحقيقة انشراحُ الصدور وهدايته، واستقرارُ الهدى فيه.

قال الكَلاباذي في "معاني الأخبار": هذا الحديث دليلٌ على أن الدجَّال لا يقدر على ما يريده، وإنما يفعلُ الله تعالى عند حركتِهِ في نفسه ومحل قدرتِهِ ما شاء الله أن يفعله؛ اختبارًا للخلق، وابتلاء لهم؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويَحيى من حيَّ عن بينة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء، فيرى من أرادَ الله إضلالَهُ أنه أمطرت السماء وأنبتت الأرض بأمره، فيصدقه، والمؤمن الموقن الذي أراد الله تعالى هدايته، يثبته على إيمانه، فيكذبه، ويستخفُّ بفعله، ويعلم أن السماء أمطرت وأن الأرض أنبتت بإذن الله تعالى، وأن الدجال أهونُ على الله تعالى من أن يقدِرَ على ذلك، فإن سُلَّطَ عليه حتى قتله، أحياه الله تعالى، فيكذبه ويقول: ما كنت فيك أشدَّ بصيرة من اليوم، فيتشجَّعُ المؤمن، ويهلك الكافر الضال الذي أراد الله تعالى أن يضله، فيصدقه بقوله: إنه قتله وأحياه، ثم يريد أن يقتله، فلا يتسلَّطُ عليه، فإن ما كان يفعله على التخييل مثل السحر الذي قال الله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66].

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015