الناحية الفلانية في هذه السَّنة قحطٌ أو مطرٌ أو زلزلةٌ وما أشبه ذلك، فيستمع ذلك الجني تلك الكلمةَ من الملائكة، ويجيء أولياءَه من كهَّان الإنس ويقول لهم تلك الكلمةَ، ويخبر الكهَّانُ الناسَ بتلك الواقعة، فلمَّا يسمع ناسٌ من الكهَّان تلك الواقعةَ ويَظهر صدقُ ما أخبر به الكهَّان، فيعتقدون صدقَ جميع ما أخبر به الكهَّان، فيترددون إلى الكهَّان، ويسألون عما سيكون من الوقائع، ويخبرهم الكهَّان بجميع ما سألوهم، وربما يظهر صدقُ خبرٍ وكذبُ مئة خبرٍ أو أكثر.
فالذي ظهر صدقُه هو الذي سمع من الجني الذي سمع ذلك الخبرَ من الملائكة، والذي ظهر كذبُه هو ما قاله الكهَّان من تلقاء أنفسهم.
واعلم أن الجنَّ كانوا يصعدون ويسمعون ما قالت الملائكة بعضهم مع بعض، ولا يمنعهم أحدٌ قبلَ ولادة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا وُلد نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - كانت الجنُّ يصعدون السماءَ فيُرجَمُون بكواكبَ أمثالِ النار، فيُحرقون.
قوله: "قَرَّ الدجاجة"؛ يعني: قرًّا مثل قَرِّ الدجاجة.
(القَرُّ): صبُّ الماء البارد على أحدٍ، وتقريرُ الكلام وتثبيتُه في أذن المستمع؛ يعني: يقول الجني ما سمعَه من الملائكة لوليه من الكهَّان.
(قَرَّ الدجاجة)؛ يعني: كما يُصوِّت الدجاج بصوتٍ لا يُفهَم، فكذلك الجني يَقَرُّ في أذن الكهَّان بحيث لا يطَّلع عليه غيره، وقيل: معنى (قَرَّ الدجاجة): إنزاء الدِّيك على الدجاج؛ يعني: كما يلاصق الديك بالدجاجة، وَيصبُّ مَنِيَّه عليها ويتولَّد من مَنِيه بيضاتٌ كثيرةٌ، فكذلك الجنيُّ يُلاصِقُ فمَه على أذن الكاهن ويصبُّ كلامَه في فمه، ويتولَّد منه كلماتٌ، فيَصدُق في بعضها ويَكذِب في أكثرها.
ويُروى: "قَزَّ الدجاج" بالزاي المعجمة، فعلى هذه الرواية معناه: كما يُصَبُّ الماءُ في قارورةٍ من قارورةٍ أخرى، فكذلك الجنيُّ يصبُّ كلامَه في الكاهن.
* * *