"فعليك إثم الأريسيين" وهو جمع أريسيًّ - بكسر الهمزة وتشديد الياء - وهو منسوبٌ إلى الإرِّيس وهو الزارع، والمراد بالأريسيين: أتباعه من الرعايا؛ يعني: فإن لم تُسْلِمْ يوافقك رعاياك في الكفر، فيكون عليك إثم كفرهم؛ لأنهم وافقوك في الكفر.
قوله تعالى: " {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} "؛ يعني: تعالوا لنقول شيئًا هو واجب الإقرار به، والتكلُّمُ به في ديننا ودينكم، وقد أمركم نبيكم عيسى - صلى الله عليه وسلم - بذلك وذلك الشيء هو: " {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا} "؛ أي: ولا تتخذ مخلوقًا إلهًا.
" {فَإِنْ تَوَلَّوْا} "؛ أي: فإذ أعرض أهل الكتاب عن اتخاد إله واحد فقولوا أيها المسلمون: اشهدوا يا أهل الكتاب بأنَّا مسلمون؛ لأنَّا لا نعبد مع الله إلهًا آخر، ولستم مسلمين؛ لأنكم تعبدون غير الله.
قوله: "بدعاية الإِسلام"؛ أي: بدعاء الإسلام، وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنه لمَّا وصل كتاب رسول الله إلى هرقل، فسأل هرقلُ حالَ النبي مِن الذي جاء بكتابه فقال له: محمد من أشراف قومه، أو من أوساطهم، أو من أوضاعهم؟ فقال: بل من أوساطهم، فقال: هكذا كان الأنبياء، فقال: أتباعه فقراء أم أغنياء؟ فقال: بل فقراء، فقال: هكذا كان أتباع الأنبياء، فقال: إذا حارب قومًا يكون الظفر كله له أو يكون بعض الظفر له وبعضه لخصمه؟ فقال: يكون بعض الظفر له وبعضه لهم، فقال: هكذا كان الأنبياء.
فلما ظهر لهرقل كون محمَّد نبيًا بما سأل من السؤالات، فقال: آمنت بمحمد، وأمر قومه أن يؤمنوا، فارتفعت أصوات قومه وقالوا: إنا لا ندع دين آبائنا، فخاف هرقل من قومه، وأمر بإغلاق باب قصره، وبعث مناديًا يأمر أن ينادى على سطح قصره: أيها الناس إن هرقل يمتحنكم بعرض دين محمَّد - صلى الله عليه وسلم -