قوله: "وأن لا نأكلَ الصدقةَ"، وعِلَّتُه: أن الزكاةَ والصدقةَ وسخُ المالِ، وآل النبي - صلى الله عليه وسلم - أعزُّ من أن يأكلوا وَسَخَ المال.
قوله: "وأن لا نُنْزِيَ حمارًا على فرس"، نهى النبي صلى الله عليه وآله من إِنزاءِ الحمارِ على الفَرَس؛ لأنَّ الفرسَ إذا حَمَلَتْ من جنسِها يكونُ ولدها مأكولَ اللحم، ويكونُ صالحًا للركض، والجَوَلانِ في الحرب، وتخويفِ الأعداء، ويكون له سهمان في القِسْمة، ويكون له نَسْلٌ، ولو حَمَلَتِ الفرسُ من الحمار لا يكونُ لولدِها شيءٌ من هذه المنافع.
ولا شكَّ أن تفويتَ هذه المنافعِ لا يَلِيقُ بآل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنزاءُ الحِمارِ على الفَرَسِ جائزٌ للأمة.
* * *
2936 - عن عليًّ - رضي الله عنه - قال: أُهديَتْ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بَغْلَةٌ فركبَها، فقال عليٌّ: لو حَمَلْنا الحَميرَ على الخيلِ لكانَتْ لنا مثلَ هذه، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما يفعلُ ذلكَ الذينَ لا يعلمونَ".
قوله: "إنما يفعلُ ذلك الذين لا يَعْلَمُون"؛ يعني: إنما يُنْزِي الحمارَ على الفرسِ الذين لا يعلَمون أن إنزاءَ الفرسِ على الفرسِ خيرٌ من إنزاء الحمارِ على الفرس؛ لما ذُكِرَ قُبَيْلَ هذا من الفوائد.
وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - هذا تسلَّيًا لخواطر آله - رضي الله عنهم - حين نهاهم.
إنزاءُ الحمار على الفرسِ جائزٌ؛ لأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد ركبَ البَغْلَ، ومنَّ الله على عباده بالبغل فقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، ولو لم يكنْ إنزاءُ الحمار على الفرس جائزًا لم يمنَّ الله على عباده بشيءٍ غيرِ جائز.