قوله: "فجزَّأهم أثلاثًا، ثم أقرَع بينهم، فأعتقَ اثنين، وأرقَّ أربعةً، فقال له قولًا شديدًا"، يُقال: جزَّأت الشيءَ تجزئةً؛ أي: قسَّمتُه، وجعلتُه أجزاءً، و (أقرَعَ): إذا ضربَ القُرعةَ، وكيفيتُه: أن تُأخَذَ مثلًا ثلاثُ رِقاعٍ متساويةٍ، فيكتب في واحدٍ منها: عتقٌ، وفي الاثنين الباقيين: رِقٌّ، وتُدرَج في بنادقَ، وتُخرَج رقعةٌ واحدةٌ منها باسم أحد العبيد؛ فإن خرج سهمُ العتق، عتقَ ذلك العبدُ الذي خرج باسمه، ورقَّ الآخرانِ، وإن خرج سهمُ الرقِّ، رقَّ العبدُ الذي خرج باسمه، ويُخرجُ رقعةً أخرى باسم آخر؛ فإن خرج سهمُ العتق، عتقَ الذي خرج باسمه، ورقَّ الثالثُ، وإن خرج سهمُ الرقِّ، رقَّ الذي خرج باسمه، وعتقَ الثالثُ؛ وقِسْ على هذه الصورة ما ذُكر في الحديث.
يُقال: أَرقَّ فلانًا: إذا جعلَه رقيقًا.
قال في "شرح السُّنَّة": في هذا الحديث دليلٌ على أن العتقَ المُنجَّز في مرض الموت في حكم المُعلَّق بالموت في الاعتبار من الثُّلثِ، وفي أنَّ مَن لا يصحُّ له الوصيةُ، لا يصحُّ التبرعُ معه في مرض الموت.
ويفترقان في حُكمَين:
أحدهما: أنه يجوز له الرجوعُ عن المُعلَّق بالموت؛ لأنَّ المُلكَ لم يحصل للمُتبرَّع عليه قبل الموت، ولا يملك الرجوعَ عن المُنجَّز؛ لحصول المُلك له.
والثاني: أن في المُنجَّز يُقدَّم الأسبقُ فالأسبقُ، وفي المُعلَّق بالموت لا يُقدَّم ما لم يُقيدْه.
بيانه: لو قال في مرض موته لثلاثة أَعبُدٍ له: سالمٌ حرٌّ وغانمٌ حرٌّ وزيادٌ حرٌّ؛ ولم يَخرجْ من الثُّلثِ إلا واحدٌ منهم، عتقَ الأولُ، فإن خرج اثنان من الثلث، عتقَ الأولانِ.
وفي المُعلَّق بالموت لو قال: إذا متُّ فسالمٌ حرٌّ وغانمٌ حرٌّ وزيادٌ حرٌّ؛