طاعات الرجل لو قُوبلت بشَربة ماء سقاه الله إيَّاها في الدنيا لنقَصَ عملُه عنها، فإذا نقصَت طاعتُه عن شكر أقل ما رزقه الله في الدنيا، فكيف يدخل الجنة بعمله؟
قوله: "إلا أن يتغمدني الله"، (التغمُّد): الستر؛ يعني: إلا أن يُلْبسني الله لباسَ رحمتِه فأدخلَ الجنةَ برحمته.
"فسددوا"؛ أي: اجعلوا أعمالكم مستقيمةً على طريق الحق.
(التسديد): جعل الشيء مستقيمًا.
"وقاربوا"؛ أي: اطلبوا قربة الله بطاعته بقدْر ما تطيقون؛ يعني: لا تشددوا على أنفسكم بالمبالغة في الطَّاعات بأن لا تناموا ولا تستريحوا ولا تأكلوا، فإنَّ أحدكم لن يدخلَ الجنةَ بعمله، فإذا لم يكن دخولُه الجنة بعمله فَلِمَ يشدِّد على نفسه في الطاعات، بل يكون كمسافرٍ قصد سفرًا بعيدًا فإنه لو عَدَا عَدْوًا شديدًا لتعب وانقطع عن السفر ولم يبلغ المَقْصِد، بل طريقه أن يمشي في أوَّل النهار إلى ارتفاع الشمس، ثم يستريح إلى بعد العصر، ثم يمشي إلى الليل، ثم يستريح، ثم يمشي في آخر الليل، فإذا قطع المسافة على هذه الصفة يبلُغُ المقصدَ، فكذلك المؤمن فليعمل الفرائض والسنن وشيئًا من التطوعات ويستريح ساعة فساعة.
(المقاربة): طلب القربة من أحد، والدُّنو منه.
معنى (اغدوا): امشُوا في أول النهار.
"وروحوا"؛ أي: امشوا في آخر النهار.
"وشيء من الدُّلجة"؛ تقديره: وليكن في مشيكم شيءٌ من الدُّلجة؛ أي: ليقع بعض طاعتكم في الليل.
(الدُّلجة) - بضم الدال -: آخر الليل.