وملائكةُ العَذابِ، فأَوْحَى الله إلى هذه: أنْ تَقَرَّبي، وإلى هذه: أنْ تَبَاعِدي، وقال: قِيسُوا ما بينَهما، فَوُجِدَ إلى هذه أقربَ بشبرٍ، فَغُفِرَ لهُ".

قوله: "ثم خرج يسأل"؛ أي: ثم يخرج من بيته أو بلده يتردَّد البلاد ويسأل الناس أنه: "هل له توبة؟ "؛ أي: هل تُقبل توبتُه بعد أن قتل تسعة وتسعين إنسانًا؟

قول الراهب في جوابه: "لا"؛ أي: لا تقبل توبتك. في هذا إشكال؛ لأنا لو نقول: لا تقبل توبته، فقد خالفنا نصوص الشرع، فإنه تعالى يقول: {هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة: 104].

وإن قلنا: تقبل توبته، فقد خالفنا أيضًا أصل الشرع، فإن حقوق الآدميين لا تقبل فيها التوبة، بل توبته أداؤها إلى مستحقيها أو الاستحلال منها.

ودَفْعُ الإشكالِ بأن نقول: تقبل توبة العبد وإن كان عليه حقوق لآدميين، ونعني بقبول توبته: أن الله تعالى لا يطرده من بابه بأن لا يقبل طاعته وحيراته بعد القتل المحرَّم وغيرِه من الذنوب، بل لا يضيع شيئًا من طاعته وخيراته التي عملها قبل القتل المحرم وغيره من الذنوب، ولا ما يعمله بعد ذلك، بل يُثيبه بما عمل من الطاعات والخيرات ويغفر الذنوب التي بينه وبينه تعالى.

وأمَّا ما عليه من حقوق الآدميين فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء يُرضي بكَرَمٍ خُصماءه، كان شاء أخذه بحقوقهم.

"ائت قرية كذا وكذا"؛ يعني: قال له أحد: ائت القرية الفلانية، فإن بها عالمًا يُفتيك بقَبول توبتك فقصد تلك القرية "فأدركه الموت"؛ يعني: فمات في الطريق قبل أن يصل إلى تلك القرية.

"فَنَاء بصدره نحوها"، (ناء)؛ أي: بَعُدَ، وناء به: إذا أبعده، وناء بصدره، يعني: أبعد صدره عن القرية الأولى وأقبل إلى القرية الثانية؛ يعني:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015