للناس كافة؛ أي: جميعًا، فعلى هذا التقدير (كافة) حال للناس مقدم عليه، وقيل: بل (كافة) حال عن النبي عليه السلام، والتاء للمبالغة؛ يعني: لتكون مانعًا للناس عن الكفر، والكف: المنع.
ومن قال: آمنت أن محمدًا رسول الله على كافة الناس، ولكن أعظمَ أمرَ السبت، أو حرَّم لحم الإبل، كما كان في دين موسى عليه السلام، أو قال ما أشبه ذلك من تحليل حرام أو تحريم حلال، فهو كافر؛ لأنه لم يؤمنْ بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]، والسلم: الإسلام؛ يعني: اقبلوا جميعَ ما أمركم [به] محمد عليه السلام، واتركوا ما نهاكم عنه محمد عليه السلام.
و (كان) في قوله عليه السلام: "إلا كان من أصحاب النار" بمعنى: يكون.
فإن قيل: ينبغي أن لا يكون كافرًا من لم يدرك زمن النبي عليه السلام ولم يسمع كلامَهُ بتركِ الإيمانِ به؛ لأن النبي - عليه السلام - قال: "لا يسمع بي"، وهذا الرجلُ لم يسمع منه.
قلنا: ليس المراد من قوله: "يسمع بي" أن يسمع هو منه، بل المراد: وصول كلامه إليه ولو كان بواسطة كتاب أو شخص، ألا ترى أن من خالف كتاب سلطان أو رسوله يستوجبُ عقوبةَ ذلك السلطان؟
وتعظيمُ الرسول تعظيمُ الله تعالى وعصيانُهُ عصيانُ الله تعالى، فكذلك تعظيمُ ألفاظ رسول الله عليه السلام، وتعظيمُ العلماء الذين هم نوَّابه وورثته = تعظيمُ الله، وعصيانهمُ عصيانُ الله؛ لأنهم يدعون الخلق إلى الله تعالى، كما أن الرسول يدعو الخلق إلى الله تعالى لا إلى نفسه، ألا ترى أنه - عليه السلام - قال: "ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به"، ولم يقل: ثم يموت ولم يؤمن