(إن شئت) إذا قلته لأحد معناه: إني جعلت الخيرة إليك؛ يعني: لم يكن قبلَ قولك: (إن شئت) مختارًا، بل لو لم تقلْ: (إن شئت) كان يلزمُ عليه قَبولُ الدعاء؛ شاء أو لم يشأ، فإذا قلت: (إن شئت) جعلته مخيرًا، وهذا لا يجوز في حقَّ الله تعالى، فإنه لا حكمَ لأحد عليه، وليس لأحد أن يكرهه، بل هو فعَّال لما يريد، فكيف يجوزُ أن يقال: (إن شئت)، بل يعزم السائل مسألته، وليسألْ من غير شكًّ وتردد، بل ليكن مُستيقِنًا في قبول الدعاء، فإن الله تعالى كريم لا بخلَ عنده، وقدير لا يعجزُ عن شيء.
قوله: "لا مكره"؛ يعني: لا يقدر أحدٌ أن يكرهه على أمرٍ، ولا حكمَ لأحد عليه، بل يفعلُ ما يشاء، فإذا لم يكن له مُكرِهٌ، ولم يكن لأحد عليه حكمٌ، فلا يجوزُ أن يقال له: اغفر لي إن شئت.
قوله: "لا يتعاظمُهُ شيءٌ أعطاهُ": الضمير في (أعطاه) يرجع إلى (شيء)؛ يعني: لا يَعظُم عليه إعطاءُ شيء، بل جميع الموجودات والمعدومات في أمره يسير، يقال: تعاظمَ زيدًا هذا الأمرُ؛ أي: كبر عليه وعسر عليه.
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
1592 - وقال: "يُسْتَجابُ للعبدِ ما لمْ يَدْعُ بإثْمٍ أو قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لمْ يَسْتَعْجِلْ"، قيلَ: يا رسُولَ الله، ما الاسْتِعْجَالُ؟، قال: "يقولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وقدْ دَعَوتُ، فلم أَرَ يُسْتَجَابُ لي، فيَسْتَحْسِرُ عندَ ذَلِكَ، ويَدع الدُّعَاءَ".
قوله: "ما لم يدعُ بإثمٍ"؛ يعني: ما لم يقل: اللهمَّ انصرني على قتلِ فلانٍ، وهو مسلمٌ، وليس مستوجبًا للقتل، أو: اللهمَّ ارزقني الخمر أو الفلانة، وهي محرمة عليه، وهو يريد زناها.