بين المسلمين، والمسيحيين، وما كان من عداء بين البابوية والإمبراطورية، وما تعذر على أوربا والشام من تدمير قوة الحشيشية، كان أمراً بالغ السهولة عند المغول الذين دمروا معاقلهم ومواطنهم سنة 1256م والواقع أن اسم المغولي كان مصدراً للرعب والخوف عند الأوربيين، فأضحوا عاجزين عن مقاومتهم ولو لم ينهض السلطان المملوكي قطز سنة 1260م، لرد الغزاة في لحظة حاسمة، فليس ثمة أدنى شك في أن جانباً كبيراً من أوربا خضع لهم، على أن ما تعرضت له أوربا من خطر المغول، لم يبلغ من الشدة ما بلغه هذا الخطر في آسيا، فما حدث من تدمير بغداد وزوال الخلافة العباسية سنة 1258م واستئصال شأفة أسرة كين، سنة 1234م وهي الأسرة التي كانت تحكم شمال الصين فضلاً عن غزو جنوب الصين وخوارزم وفارس وسائر الأقاليم المجاورة، وإقامة حكم المغول قي الهند، وهذا ليس إلا طائفة من الأحداث التي يكفي الواحد منها الدلالة على أهمية دراسة تاريخ المغول، ومن الظواهر الجديرة بالاهتمام، أنه كلما سقطت حضارة أو مدنية عقبها حركة إحياء ضخمة، تنبعث من بين أنقاض وآثار الحضارة التي دمرتها الغارات المتتالية، فمثلاً بعد استيلاء الرومان على بلاد اليونان، حدثت حركة إحياء في مجال الفنون والآداب وحدث بعد استيلاء العثمانيين على أملاك الدولة البيزنطية بأن ازداد الإقبال على دراسة كنوز المعرفة، وبعد دخول المسلمين لأسبانيا وفتحها وصل إلى أوربا في العصور الوسطى شعاع العلم والطب والفلسفة والشعر، وهذه النماذج تنطبق على
المغول، إذ أن سقوط بغداد في أيامهم أدى إلى انتقال مركز الدراسات الإنسانية إلى مصر، وفي نفس الوقت تفرق العلماء والأدباء في أنحاء العالم الإسلامي، فزاد ذلك من قوة الجامعات والمدارس بالجهات التي حلوا بها (?)، يضاف إلى ذلك أن انتقال مركز الجاذبية من بغداد إلى القاهرة، هيأ للعالم الغربي أن يحصل على ثقافة الشرق (?) وعلومه، بالإضافة إلى الاحتكاك في زمن الحروب الصليبية.
ومن ناحية أخرى، يعتبر ظهور المغول بالغ الأهمية لما حدث في آسيا من تطورات أخرى وأول هذه التطورات وأجدرها بالصدارة، ما جرى من توحيد آسيا، غير أنه لا يصح تفسير هذا بالمعنى المعروف لنا الآن عن الوحدة السياسية أو التجانس فالحكومة المغولية