أولاً: أهمية دراسة تاريخ المغول: يصادف المؤرخ عقبات عسيرة عند محاولته دراسة تاريخ المغول، إذ أن سيرة القبائل البدوية تبدو كأنها لن تتسق أو تنتظم، فإن أحداث تاريخها بلغت من شدة الاضطراب، ما يجعل من المستحيل التماس خيط واحد يضم هذه القبائل بأسرها، فالأحداث الداخلية والحروب التي نشبت دائماً بين القبائل والتي لا بد للمؤرخ من تتبعها حتى يقف على ما يجري بين هذه القبائل من محالفات، كانت من العوامل التي تضلل المؤرخ وتعطله على المضي في دراسته، يضاف إلى ذلك ما أحاط بالتاريخ المبكر للمغول من الغموض والاختلاط بالأساطير، فضلاً عن الافتقار إلى السجلات والوثائق التي يصح الركون إليها (?)، ومن المتاعب التي يصادفها الباحث أيضاً امتداد واتساع الأراضي التي كانت تنزل فيها الشعوب المغولية، فليس لتاريخ المغول حدود جغرافية، فقد زالت الحواجز التي تحد من استقرارهم، وما اتصف به المغول من بسالة خارقة حملهم على أن يتغلبوا على أخطار الصحاري المترامية الأطراف وأن يجتازوا الجبال، وأن يعبروا البحار والأنهار وأن يقهروا قسوة المناخ، وأن يصبروا على ما تعرضوا له من الأوبئة والمجاعات، فلا يخشون المخاطر، ولا تصدهم المعاقل ولا يحركهم كل توسل للرحمة والرأفة وأينما سرح خيالهم سارت جموعهم، فكم من المدن الزاهرة اندثرت في ليلة واحدة، ولم يبق لها من الأثر سوى الخرائب والتلال التي أقامتها جثث الضحايا وما كان يعقب الغزوات المغولية من هدوء لم يكن في الواقع هو الهدوء الذي يسيطر على عالم سئم القتال والتقاتل، وحرص على أن ينعم من جديد بثمار المدنية، بل كانت الأنفاس الأخيرة التي تلتقطها الأمم قبل أن تتوارى وتختفى نهائياً (?)،
ومن بواعث الاهتمام بدراسة تاريخ المغول، ما كان لهم من تاريخ بالغ الشدة، أو المساحات الشاسعة التي كانت مسرحاً لأعمالهم، فكل محاولة لتقدير طبيعة الدراسة وما نجم عنها من نتائج، سوف تكون شيقة ومثمرة، والمعروف أن المغول قاموا بغزو روسيا والمجر وسيليزيا، وما أوجدوه من تغييرات على مستوى الساحة الأوربية، وهذا التغيير يعكس أيضاً ما نشب من الحروب الصليبية