الحرية يستريح إلى القيد ولا يجد حافزاً إلى الإنطلاق، وأن الفقير الذي ينسى زمان الغنى يطمئن إلى الفقر ولا يجد دافعاً إلى الإستغناء، وأن الذليل الذي ينسى عزة أبيه يألف الذل ولا يجد قوة على دفعه، فإذا اطمئنّنا إلى جلال ماضينا وحسبنا أن خطبة بتجميده ومقالة بالإشادة به تغنينا وتكفينا فلن يعود لنا هذا الجلال أبداً، وإن نسينا أننا أبناء سادة الأرض وأساتذة الدنيا لم يحرك أعصابنا شيء إلى إستعادة هذا المجد، فلنأخذ من الماضي بقًدْر، نأخذ منه ما يدفع ويرفع وينفع، وندع منه ما يثبط ويُقعد وينيم إننا لا نريد أن نعود إلى الزمان الماضي، فالزمان يمشي أبداً لا يقف ولا يعود، ولا نعود إلى مثل معيشة الزمان الماضي، ونترك ثمرات الحاضر، ولكن نعود إلى المُثُل العلياء وإلى الفضائل التي لا تفقد قيمتها بمرور الزمن، فكما أن الذهب والألماس لا يغيرّه القِدَم ولا يصدأ كما يصدأ الحديد، فإن في المعاني ما هو كالألماس والذهب في المعادن (?).
نحن نريد نعود إلى حياة الإيمان، والتقوى، والإحسان والعدل، والعبودية الخالصة لله عز وجل والشريعة الحاكمة على الأفراد والشعوب والأمة والدول ونتحرر من أنواع الشرك ما ظهر منه وما بطن ونعمل لقول الله تعالى: "وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون* وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون)) (النور، الآية: 55 ـ 56).
إن أمر النهوض بهذه الأمة والتصدي للمشاريع الغازية يحتاج إلى جميع أنواع القوى، على اختلافها وتنوعها، ولذلك اهتم القران الكريم اهتماماً كبيراً بإرشاد الأمة للأخذ بأسباب القوة وأوجب الله تعالى على الأمة الأخذ بأسبابها، لأن التمكين لهذا الدين طريقه للوصول إلى القوى بمفهومها الشامل وقد قال الأصوليون: وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (?).
إن القرآن الكريم أوجب على أتباعه إعداد القوة قال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يُوَفَّ إليكم وأنتم لا تظلمون" (الأنفال، الآية: 60) وما