وبغداد وغيرها أمام جيوش المغول، فاستباحت الديار وهتكت الأعراض، وصودرت الممتلكات وغابت أسباب النصر، وتعقمت عوامل الهزيمة في الأمة أمام المشروع الغازي ومضت السنن والقوانين الإلهية وعملت عملها ولم تجامل أحد، وما تغيرت ولا تبدلت والناس في همّ وغمّ وذل وضعف وخور، وصغار، حتى استوعبت القيادة الإسلامية في مصر فقه المقاومة وادارة الصراع وعرفت كيف تدفع أقدار الله بأقداره من خلال سنن النهوض، وأسباب النصر، فكانت النتيجة المذهلة في معركة عين جالوت لقد تحرك سيف الدين قطز من خلال مشروع اسلامي ملك مقومات الصمود والتحدي وحقق الانتصار، فكانت الرؤية واضحة والهوية صافية، والبعد العقائدي حاضر، والفقه السياسي ناضج، والقوة العسكرية متفوقة في مجاليها المعنوي والمادي، وعرف سيف الدين قطز مكانة العلماء في الأمة وقوة تأثيرهم ونفوذهم الروحي على الشعب فقربهم واحترمهم وفتح لهم أبواب التعليم والوعظ والإرشاد فقاموا بدور كبير في تعبئة الأمة ودفعها لكي تلتف حول المشروع الإسلامي الذي قاده سيف الدين قطز.
إن تاريخ الأمة ثروة فكرية لا تفنى، وكنوز علمية لا تنفذ، تمنحنا الأصالة وعز الإيمان وشرف الانتماء فيعيننا هذا المخزون الحضاري في تشكيل الحاضر واستشراق المستقبل واستئناف الحياة الكريمة في ظل مجتمع إسلامي تسوده العقائد الصحيحة وتزكيه العبادات السليمة وتحركه مشاعر رفيعه وتحكمه تعاليم الإسلام وتوجه اقتصاده وفنونه وسياسته على أننا إذا تلفَّتنا إلى الماضي فلا نلتفت إليه لنرجع القهقري ونمشي إلى الوراء، بل لنستمد منه القوة على السير سعياً إلى الأمام لنربط بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق، إلى الأمام لنصل مجدنا الجديد بمجدنا التليد إننا نعلم أن الاستغراق في الماضي وحده نوم أو جمود والاستغراق في المستقبل وحده هوس وجنون، والاستغراق في الحاضر وحده عجز وقعود، ونحن نريد أن نستمد من الماضي دافعاً وحافزاً، ومن المستقبل موجّهاً ومرشداً ومن الحاضر عماداً وسناداً.
ونحن نعلم أن هذا المجد لا يعود بالأحاديث والخطب ونعلم أن السجين المصفّد بالاغلال لا يطلقه تذكر الحرية والتغني بلذاتها، وأن الجائع لا يشبعه تذكر موائد الماضي واستعراض ألوانها وأن الفقير لا يغنيه تذكر زمان غناه والزهو بما ضاع فيه، وأن الذلة لا تُدفَع عن الذليل بنظم قصائد الفخر بعزة جده، ولكننا نعلم أيضاً أن السجين الذي ينسى أيام