وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَإِذَا رَجَعَ عَنْ إسْلَامِهِ، وَجَبَ قَتْلُهُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَلَنَا، عَلَى مَالِكٍ، أَنَّ الْأُمَّ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَيَتْبَعُهَا وَلَدُهَا فِي الْإِسْلَامِ، كَالْأَبِ، بَلْ الْأُمُّ أَوْلَى بِهِ، لِأَنَّهَا أَخَصُّ بِهِ، لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْهَا حَقِيقَةً، وَتَخْتَصُّ بِحَمْلِهِ وَرَضَاعِهِ، وَيَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَلِأَنَّ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ يَتْبَعُ الْوَلَدُ أُمَّهُ دُونَ أَبِيهِ، وَهَذَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرَهُ. وَأَمَّا تَخْيِيرُ الْغُلَامِ، فَهُوَ فِي الْحَضَانَةِ لَا فِي الدِّينِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَكَذَلِكَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى كُفْرِهِ، قُسِمَ لَهُ الْمِيرَاثُ؛ وَكَانَ مُسْلِمًا بِمَوْتِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا) يَعْنِي، إذَا مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْ الْوَلَدِ الْكَافِرَيْنِ، صَارَ الْوَلَدُ مُسْلِمًا بِمَوْتِهِ، وَقُسِمَ لَهُ الْمِيرَاثُ. وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمَوْتِهِمَا وَلَا مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتْ كُفْرُهُ تَبَعًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إسْلَامٌ، وَلَا مِمَّنْ هُوَ تَابِعٌ لَهُ فَوَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ، أَنَّهُ أَجْبَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَوْتِ أَبِيهِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَنُهُمْ عَنْ مَوْتِ بَعْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ يَتِيمٍ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَجَعَلَ كُفْرَهُ بِفِعْلِ أَبَوَيْهِ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا، انْقَطَعْت التَّبَعِيَّةُ، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي وُلِدَ عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ مَاتَ أَبُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَضِيَّةُ الدَّارِ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَلِذَلِكَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْكُفْرُ لِلطِّفْلِ الَّذِي لَهُ أَبَوَانِ، فَإِذَا عُدِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، وَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى حُكْمِ الدَّارِ، لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِمَنْ يُكَفَّرُ بِهَا، وَإِنَّمَا قُسِمَ لَهُ الْمِيرَاثُ، لِأَنَّ إسْلَامَهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِمَوْتِ أَبِيهِ الَّذِي اسْتَحَقَّ بِهِ الْمِيرَاثَ، فَهُوَ سَبَبٌ لَهُمَا، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِسْلَامُ الْمَانِعُ مِنْ الْمِيرَاثِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْمُعَلَّقَةَ بِالْمَوْتِ لَا تُوجِبُ الْمِيرَاثَ فِيمَا إذَا قَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ لَهُ: إذَا مَاتَ أَبُوك فَأَنْتَ حُرٌّ. فَمَاتَ أَبُوهُ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ وَلَا يَرِثُ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَوْتِ لَا يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ، وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الدَّارِ، فَأَمَّا دَارُ الْحَرْبِ، فَلَا نَحْكُمُ بِإِسْلَامِ وَلَدِ الْكَافِرَيْنِ فِيهَا بِمَوْتِهِمَا، وَلَا مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ نَحْكُمْ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا.