وَلَنَا، أَنَّهَا دَارُ كُفَّارٍ، فِيهَا أَحْكَامُهُمْ، فَكَانَتْ دَارَ حَرْبٍ - كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ فِيهَا هَذِهِ الْخِصَالُ -، أَوْ دَارَ الْكَفَرَةِ الْأَصْلِيِّينَ.
(7106) فَصْلٌ: وَإِنْ قَتَلَ الْمُرْتَدُّ مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَتْلِهِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْقِصَاصَ، قُدِّمَ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ الرِّدَّةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً، وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَتُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهَا دِيَةُ الْخَطَإِ، فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ، أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ يَحِلُّ بِالْمَوْتِ فِي حَقِّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الدِّيَةُ عَلَيْهِ حَالَّةً؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا أُجِّلَتْ فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَأَمَّا الْجَانِي، فَتَجِبُ عَلَيْهِ حَالَّةً؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ مُتْلَفٍ، فَكَانَتْ حَالَّةً، كَسَائِرِ أَبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ.
(7107) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ، كَانَ أَوْلَادُهُ الْأَصَاغِرُ تَبَعًا لَهُ) وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إذَا أَسْلَمَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَأَدْرَكَ فَأَبَى الْإِسْلَامَ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُقْتَلْ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَسْلَمَ الْأَبُ، تَبِعَهُ أَوْلَادُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ الْأُمُّ لَمْ يَتْبَعُوهَا؛ لِأَنَّ وَلَدَ الْحَرْبِيَّيْنِ يَتْبَعُ أَبَاهُ دُونَ أُمِّهِ، بِدَلِيلِ الْمَوْلَيَيْنِ إذَا كَانَ لَهُمَا وَلَدٌ، كَانَ وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أَبِيهِ دُونَ مَوْلَى أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَبُ عَبْدًا أَوْ الْأُمُّ مَوْلَاةً، فَأُعْتِقَ الْعَبْدُ، لَجَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْرُفُ بِشَرَفِ أَبِيهِ، وَيَنْتَسِبُ إلَى قَبِيلَتِهِ دُونَ قَبِيلَةِ أُمِّهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ أَبَاهُ فِي دِينِهِ أَيَّ دِينٍ كَانَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إذَا بَلَغَ خُيِّرَ بَيْنَ دِينِ أَبِيهِ وَدِينِ أُمِّهِ، فَأَيَّهُمَا اخْتَارَهُ كَانَ عَلَى دِينِهِ. وَلَعَلَّهُ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ الْغُلَامِ الَّذِي أَسْلَمَ أَبُوهُ، وَأَبَتْ أُمُّهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، فَإِنْ اخْتَلَفَا، وَجَبَ أَنْ يَتْبَعَ الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا، كَوَلَدِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكِتَابِيَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَيَتَرَجَّحُ الْإِسْلَامُ بِأَشْيَاءَ؛ مِنْهَا أَنَّهُ دِينُ اللَّهِ الَّذِي رَضِيَهُ لِعِبَادِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ دُعَاةً لِخَلْقِهِ إلَيْهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ تَحْصُلُ بِهِ السَّعَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَتَخَلَّصُ بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ، وَمِنْهَا أَنَّ الدَّارَ دَارُ الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا، وَمَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فِيهَا، وَإِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ، أُجْبِرَ عَلَيْهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ بِالْقَتْلِ، كَوَلَدِ الْمُسْلِمَيْنِ،