يَصِحَّ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي
وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا.
وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ، كَاَلَّذِي تُثْمِرُ شَجَرَتُهُ، أَوْ تَحْمِلُ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ تَصِحَّ فِي هَذَا كُلِّهِ، كَالْبَيْعِ.
(4449) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد، وَحَرْبٍ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: إذَا قَالَ: شَاةً مِنْ غَنَمِي. يَعْنِي: وَهَبْتهَا لَك. لَمْ يَجُزْ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْجَهْلَ إذَا كَانَ فِي حَقِّ الْوَاهِبِ، مَنَعَ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ فِي حَقِّهِ
وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ، لَمْ يَمْنَعْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا غَرَرَ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي حَقِّهِ الْعِلْمُ بِمَا يُوهَبُ لَهُ، كَالْمُوصَى لَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ، فَصَحَّ فِي الْمَجْهُولِ، كَالنَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي الْمَجْهُولِ، كَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ.
(4450) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ، كَالْبَيْعِ. فَإِنْ عَلَّقَهَا عَلَى شَرْطٍ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ سَلَمَةَ: «إنْ رَجَعَتْ هَدِيَّتُنَا إلَى النَّجَاشِيِّ فَهِيَ لَك» . كَانَ وَعْدًا. وَإِنْ شَرَطَ فِي الْهِبَةِ شُرُوطًا تُنَافِي مُقْتَضَاهَا، نَحْوَ أَنْ يَقُولَ: وَهَبْتُك هَذَا، بِشَرْطِ أَنْ لَا تَهَبَهُ، أَوْ لَا تَبِيعَهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ تَهَبَهُ أَوْ تَبِيعَهُ، أَوْ بِشَرْطِ أَنْ تَهَبَ فُلَانًا شَيْئًا
يَصِحُّ. الشَّرْطُ وَفِي صِحَّةِ الْهِبَةِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ. وَإِنْ وَقَّتَ الْهِبَةَ، فَقَالَ: وَهَبْتُك هَذَا سَنَةً، ثُمَّ يَعُودُ إلَيَّ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَمْلِيكٍ لِعَيْنٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مُؤَقَّتًا، كَالْبَيْعِ.
(4451) فَصْلٌ: وَإِنْ وَهَبَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا، صَحَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَحْمَدَ، فِي مَنْ أَعْتَقَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِالْأُمِّ دُونَ مَا فِي بَطْنِهَا، فَأَشْبَهَ الْعِتْقَ. وَبِهِ يَقُولُ فِي الْعِتْقِ النَّخَعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَصِحُّ الْهِبَةُ، وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَهَبْ الْوَلَدَ، فَلَمْ يَمْلِكْ الْمَوْهُوبَ لَهُ، كَالْمُنْفَصِلِ، وَكَالْمُوصَى بِهِ.
(4452) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ دَيْنٌ، فَوَهَبَهُ لَهُ، أَوْ أَبْرَأْهُ مِنْهُ، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ، صَحَّ، وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ مِنْهُ، وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى الْقَبُولِ، كَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَالشُّفْعَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ، وَكَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ. وَإِنْ قَالَ: تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك. صَحَّ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَرَدَ فِي الْإِبْرَاءِ بِلَفْظِ