مِنْهُمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَهُوَ لَكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَهَذَا هِبَةُ مَشَاعٍ
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: سَمِعْت «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ جَاءَهُ رَجُلٌ وَمَعَهُ كُبَّةٌ مِنْ شَعْرٍ، فَقَالَ: أَخَذْت هَذِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ لِأُصْلِحَ بَرْدَعَةً لِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَك» . وَرَوَى عُمَيْرُ بْنُ سَلَمَةَ الضَّمْرِيُّ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْحَاءَ، فَرَأَيْنَا حِمَارَ وَحْشٍ مَعْقُورًا، فَأَرَدْنَا أَخْذَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: دَعُوهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهُ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَهْزٍ، وَهُوَ الَّذِي عَقَرَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: شَأْنَكُمْ الْحِمَارُ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ.» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ.
وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، فَجَازَتْ هِبَتُهُ، كَاَلَّذِي لَا يَنْقَسِمُ، وَلِأَنَّهُ مَشَاعٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَا يَنْقَسِمُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ وُجُوبَ الْقِسْمَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ. لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ فِي الْبَيْعِ، فَكَذَا هَاهُنَا. وَمَتَى كَانَتْ الْهِبَةُ لِاثْنَيْنِ، فَقَبَضَاهُ بِإِذْنِهِ، ثَبَتَ مِلْكُهُمَا فِيهِ، وَإِنْ قَبَضَهُ أَحَدُهُمَا، ثَبَتَ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ.
(4447) فَصْلٌ: وَمَتَى قُلْنَا: إنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ. لَمْ تَصِحَّ الْهِبَةُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ. كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، وَالْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالْمَغْصُوبِ لِغَيْرِ غَاصِبِهِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَاصِبِهِ. وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ، كَالْبَيْعِ. وَإِنْ وَهَبَ الْمَغْصُوبَ لِغَاصِبِهِ، أَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ مِنْهُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ قَبْضُهُ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْغَاصِبِ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ الْوَاهِبِ
فَإِنْ وَكَّلَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ فِي تَقْبِيضِهِ، صَحَّ. وَإِنْ وَكَّلَ الْمُتَّهِبُ الْغَاصِبَ فِي الْقَبْضِ لَهُ، فَقَبِلَ، وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِيهِ، صَارَ مَقْبُوضًا، وَمَلَكَهُ الْمُتَّهِبُ، وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: الْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْهِبَةِ. فَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَبْضُ مِنْ ذَلِكَ احْتَمَلَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي صِحَّةِ هِبَتِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَصِحَّ هِبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، فَلَمْ تَصِحَّ هِبَتُهُ، كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ. وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ فِي هِبَةِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ، إذَا كَانَ مَمْلُوكًا.
(4448) فَصْلٌ: وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مَعْجُوزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ. وَفِي الصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ وَجْهَانِ، بِنَاءً عَلَى صِحَّة بَيْعِهِ. وَمَتَى أَذِنَ لَهُ فِي جَزِّ الصُّوفِ، وَحَلْبِ الشَّاةِ، كَانَ إبَاحَةً وَإِنْ وَهَبَ دُهْنَ سِمْسِمِهِ قَبْلَ عَصْرِهِ، أَوْ زَيْتَ زَيْتُونِهِ، أَوْ جفته، لَمْ